تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

{ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ( 27 )ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير( 28 ) }

التفسير :

{ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم . . . }

تدل الآية على سعة علم الله تعالى فكمالاته تعالى لا تحد ، وقدرته وعلمه وإرادته وسائر صفاته لا حدود لها .

ويضرب القول مثالا محسوسا حيث كانت الناس تكتب بأقلام البوص وتملأ الدواة أو الزجاجة بالحبر لكتابتها المحدودة فأفاد القرآن أن جميع ما في الأرض من أشجار لو تحولت إلى أقلام والبحر تحول إلى مداد لتكتب كلمات الله وآياته ومعلوماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله ولو جئنا لهذا البحر بسبعة أبحر مثله وتحولت البحور إلى مداد لتكتب آيات الله وكلماته فستنفد البحور كلها قبلا أن تنفذ كلمات الله وآياته .

إن الله عزيز غالب مقتدر ، حكيم : في تصرفاته فلا يخرج عن الحكمة ما يتلكم به .

وفي معنى الآية يقول الله تعالى : { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } . ( الكهف : 109 ) .

وقد ذكر ابن كثير وغيره أن سبب نزول هذه الآية ما يأتي :

قال المشركون : إنما هذا الكلام الذي يأتي به محمد يوشك أن ينفذ فقال تعالى : ولو انما في الأرض من شجرة أقلام . . .

وعن ابن عباس : أن أحبار يهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت قولك : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا . ( الإسراء : 85 ) إيانا تريد أم قومك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " كلا عنيت " فقالوا : ألست تتلوا فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم " وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك : ولو أنما في الأرض في من شجرة أقلام . . . . أه .

قال العلماء : والمراد بالآية الإعلام بكثرة معاني كلمات الله وهي غير متناهية في نفسها وإنما قرب الأمر بهذا المثال لأفهام البشر بما يتناهى لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة لا أنها تنفذ بأكثر من هذه الأقلام والبحور . . .

قال الألوسي : والمراد بكلمات الله تعالى كلمات علمه سبحانه وحكمته .

وقيل : المراد بها مقدوراته وعجائب خلقه والتي إذا أراد سبحانه شيئا منها قال له كن فيكون أه .

وفي التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ما يأتي :

ليس المراد بذكر العدد في قوله : سبعة أبحر : خصوص العدد وإنما المراد الكثرة واختير عدد سبعة بخصوصه من بين الأعداد لأن كثيرا من المعدودات التي لها شان سبع كالسماوات والكواكب السيارة وأيام الأسبوع إلى غير ذلك . أه .

ومما يستحق التأمل أننا الآن في عام 1421 ه ، بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا على نزول القرآن الكريم وقد كتب في تفسير القرآن الكريم أكثر من ثلاثة آلاف تفسير فضلا عن كتب علوم القرآن وبلاغته وإعرابه وإعجازه وما يتصل به من دراسات متعددة ، ولا يزال القرآن الكريم مصدر هداية وإعجاز وإرشاد ومع تقدم العلوم والتقنية فإن هذا التقدم العلمي لم يصطدم بأي حقيقة علمية ذكرت في القرآن بل إن العلم الحق أصبح يؤكد ويؤيد ويتناسق مع ما ذكره القران .

وفي كتاب : " التوراة والإنجيل " والقرآن في ضوء العلم " للمستشرق موريس بوكاي ما يفيد الآتي : تكلمت التوراة عن بدء الخليقة وعن أمور تاريخية وعلمية واصطدمت أخبار التوراة بحقائق العلم وكذلك الأناجيل لكن القرآن تكلم عن خلق الكون وخلق آدم ومراحل تكون الجنين في بطن أمه وانتهاء إحساس الجلد بالعذاب بعد احتراقه وأهمية الحديد والصلب في الصناعة والعلم وتنوع الاختراعات والابتكارات في آفاق العلم وفي آفاق النفس وتطور وسائل المواصلات ونقص الأكسجين في طبقات الجو العليا واضطراب الكون عند نهاية الدنيا وتحول الشمس إلى ما يشبه النجوم القزمة وتسيير الجبال وتشقق السماء وانطماس ضوء النجوم وانمحاق الشمس والقمر وتبديل الأرض والسموات وغير ذلك من الحقائق التي أيدها العلم ولا يزيدها التقدم العلمي إلا تأييدا وتصديقا مما يؤيد أن القرآن هو حقا كتاب الله وأنه معجز خصوصا أنه نزل على نبي أمي خلال القرن السادس الميلادي ولم تكن اكتشفت حقائق علمية كثيرة عرفت فيما بعد .

فالدورة الدموية مثلا يعتبرها العلماء من ابتكار هارفي في القرن العاشر الميلادي وهذه الحقيقة جاءت على لسان نبي أمي في قول القرآن الكريم : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين . ( النحل : 66 ) . .

وكذل في قوله تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد . ( فصلت : 53 ) .

والخلاصة : القرآن كلام الله حقا ومعانيه وآدابه وأحكامه وتشريعاته وهدايا ته لا نهاية لفضلها وبركتها .

كما قال سبحانه : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

يبين الله تعالى أن نِعم الله وهذه المخلوقات لا حصر لها ، ولا يعلمها إلا خالقها ، وأن حكم الله وآياته وكلماته لا تنفد ولا تُحصر ولا تعدّ ، كما قال : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله

لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] .

لو تحولت كل أشجار الأرض أقلاما ، وصارت مياه البحار الكثيرة مداداً تُكتب به كلماتُ الله ، لنفدت الأقلام ُونفد المداد قبل أن تنفد كلمات الله .

قراءات :

قرأ ابر عمرو ويعقوب : { والبحرَ يمده } بنصب البحر ، والباقون : { والبحرُ } بالرفع .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (27)

ولما كان الغني قد يكون ماله محصوراً كما في السماوات والأرض الذي قدم أنه له ، والمحمود قد يكون ما يحمد عليه مضبوطاً مقصوراً أثبت أنه على غير ذلك ، بل{[54162]} لا حد لغناه ، ولا ضبط لمعلوماته ومقدوراته الموجبة لحمده ولا تناه ، فقال : { ولو } أي له الصفتان المذكورتان والحال أنه لو { أنّ ما في الأرض } أي كلها ، ودل على الاستغراق وتقصى{[54163]} كل فرد فرد{[54164]} من الجنس بقوله : { من شجرة } حيث وحدها { أقلام } أي والشجرة يمدها من بعدها على سبيل المبالغة سبع{[54165]} شجرات ، وأن ما في الأرض من بحر مداد لتلك الأقلام { والبحر } أي والحال أن البحر ، وعلى قراءة البصريين{[54166]} بالنصب{[54167]} التقدير : ولو أن البحر { يمده } أي يكون مدداً{[54168]} وزيادة فيه { من بعده } أي من ورائه { سبعة أبحر } فكتب{[54169]} بتلك الأقلام وذلك المداد الذي الأرض كلها له دواة كلمات الله { ما نفدت } وكرر الاسم الأعظم تعظيماً للمقام فقال{[54170]} مظهراً للإشارة{[54171]} مع التبرك{[54172]} إلى عدم التقيد بشيء وإن جل{[54173]} : { كلمات الله } وفنيت الأقلام والمداد ، وأشار بجمع القلة مع الإضافة إلى اسم الذات إلى زيادة العظمة بالعجز عن ذلك القليل فيفهم العجز عن الكلم من باب الأولى ، ويتبع الكلمات الإبداع ، فلا تكون كلمة إلا لإحداث شأن من الشؤون

إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }[ يس : 82 ] وعلم من ذلك نفاد الأبحر كلها لأنها محصورة ، فهي لا تفي بما ليس بمحصور ، فيا لها من عظمة لا تتناهى ! ومن كبرياء لا تجارى ، ولا تضاهى ، لا جرم كان نتيجة ذلك قوله مؤكداً لأن ادعاءهم الشريك إنكار للعزة ، وعدم البعث إنكار للحكمة : { إن الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً {[54174]}من غير قيد أصلاً{[54175]} { عزيز } أي يعجز كل شيء ولا يعجزه شيء { حكيم * } يحكم{[54176]} ما أراده ، فلا يقدر أحد على نقضه ، ولا علم لأحد من خلقه إلا ما علمه ، ولا حكمة لأحد منهم إلا بمقدار ما

أورثه ، وقد علم أن الآية من الاحتباك : ذكر الأقلام دليلاً على حذف مدادها{[54177]} ، وذكر السبعة في{[54178]} مبالغة الأبحر دليلاً على حذفها في الأشجار ، وهو من عظيم هذا الفن ، وعلم أيضاً من السياق أن المراد بالسبعة المبالغة في الكثرة لا حقيقتها ، وأن المراد بجمع القلة في " أبحر " الكثرة ، لقرينة المبالغة ، وبجمع القلة في { كلمات } حقيقتها لينتظم المعنى ، وكل ذلك سائغ شائع{[54179]} في لغة العرب .


[54162]:زيد من ظ وم ومد.
[54163]:من مد، وفي الأصل وظ وم: يقضي.
[54164]:سقط من ظ.
[54165]:في ظ: السبع.
[54166]:راجع نثر المرجان 5/338.
[54167]:سقط من م.
[54168]:في ظ وم ومد: مداد.
[54169]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: يكتب.
[54170]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فقام.
[54171]:من ظ ومد، وفي الأصل: الإشارة.
[54172]:في ظ ومد: التبري.
[54173]:العبارة من "مظهرا" إلى هنا ساقطة من م.
[54174]:سقط ما بين الرقمين من م.
[54175]:سقط ما بين الرقمين من م.
[54176]:سقط من ظ ومد.
[54177]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مرادها.
[54178]:زيد من ظ وم ومد.
[54179]:سقط من ظ.