تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

أهداف سورة غافر

سورة غافر سورة مكية ، نزلت في الفقرة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة ، بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، ولآياتها 85 آية ، نزلت بعد صورة الزمر .

ولها أربعة أسماء : تسمى سورة غافر لقوله تعالى في أولها : { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب . . . } ( غافر : 3 )

وتسمى سورة المؤمن لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون- واسمه خربيل – في قوله تعالى : { وقال رجل مؤمن من آل فرعون . . . } ( غافر : 28 ) .

وسورة الطول لقوله تعالى : { ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } . ( غافر : 3 ) .

وتسمى حم الأولى لأنها أول سورة في الحواميم {[1]} .

روح السورة

الروح السارية في سورة غافر هي روح الصراع الدائر بين الحق والباطل ، والإيمان والكفر ، والدعوة والتكذيب ، وأخيرا قضية العلو في الأرض ، والتجبر بغير الحق ، وبأس الله الذي يأخذ المتجبرين ، وفي ثنايا أهداف السورة الأصلية نجد أنها تلم بموقف المؤمنين المهتدين الطائعين ، ونصر الله إياهم ، واستغفار الملائكة لهم واستجابة لله لدعائهم ، وما ينتظرهم في الآخرة من نعيم .

وجو السورة كله – من ثم – كأنه جو معركة ، وهي المعركة بين الإيمان والطغيان ، وبين الهدى والضلال ، وبين المتكبرين المتجبرين في الأرض ، وبأس الله الذي يأخذهم بالدمار والتنكيل ، وتتنسم خلال هذا الجو نسمات الرحمة والرضوان حين يجيء ذكر المؤمنين .

وتتمثل روح السورة في عرض مصارع الغابرين ، كما تتمثل في عرض مشاهد القيامة ، وهذه وتلك تتناثر في سياق السورة وتتكرر بشكل ظاهر ، وتعرض في صورها العنيفة المرهوبة المخيفة ، ومنذ بداية السورة إلى نهايتها نجد آيات تلمس القلب ، وتهز الوجدان ، وتعصف بكيان المكذبين ، وقد ترق آيات السورة فتتحول إلى لمسات وإيقاعات تمس القلب برفق ، وهي تعرض صفات الله غافر الذنب وقابل التوب ، ثم تصف حملة العرش ، وهم يدعون ربهم ليتكرم على عباده المؤمنين ، ثم تعرض الآيات الكونية والآيات الكامنة في النفس البشرية .

موضوعات السورة

يمكننا أن نقسم سورة غافر بحسب موضوعاتها إلى أربعة فصول :

الفصل الأول : صفات الله .

تبدأ الآيات من ( 4-20 ) بعرض افتتاحية السورة ، وبيان أن الكتاب منزل من عند الله ، { غافر الذنب وقابل التوب . . . } للمؤمنين التائبين ، { شديد العقاب . . . } للعصاة المذنبين .

ثم تقرر أن الوجود كله مسلم مستسلم لله ، وأنه لا يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فيشذون عن سائر الوجود بهذا الجدال ، ومن ثم فهم لا يستحقون أن يأبه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مهما تقلبوا في الخير والمتاع ، فإنما هم صائرون إلى ما صارت إليه أحزاب المكذبين قبلهم ، وقد أخذهم الله أخذا بعقاب يستحق العجب والإعجاب ، ومع الأخذ في الدنيا فإن عذاب الآخرة ينتظرهم هناك . . . ذلك بينما حملة العرش ومن حوله يعلنون إيمانهم بربهم ، ويتوجهون إليه بالعبادة ، ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض ، ويدعون لهم بالمغفرة والنعيم والفلاح . . وفي الوقت ذاته مشهد الكافرين وهم ينادون : { لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } . ( غافر : 10 ) .

وهم في موقف المذلة والانكسار يقرون بذنبهم ، ويعترفون بربهم ، فلا ينفعهم الاعتراف والإقرار ، ومن هذا الموقف بين يدي الله في الآخرة يعود السياق ليعرض أمام الناس مظاهر أنعم الله عليهم ، ليأخذ بأيديهم إلى طريق الإيمان بالله . { فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق } . ( غافر : 14 ، 15 ) .

ويعرض السياق مشهد ذلك اليوم في صورة حية مؤثرة ، فقد برز الجميع أمام الله ، العالم بالظواهر والبواطن ، وفي هذا المشهد تبلغ الروح الحلقوم ، وتذهب صولة الظالمين والطغاة ، فلا يجدون حميما ولا شفيعا لا يطاع في شفاعته ، لقد أصبح الملك والأمر والقضاء لله الواحد القهار .

الفصل الثاني : رجل مؤمن يجاهد بالكلمة .

يستغرق الفصل الثاني الآيات من ( 21-55 ) ويبدأ بلفت أنظار المشركين إلى ما أصاب المكذبين قبلهم ، ثم يعرض جانبا من قصة موسى – عليه السلام – مع فرعون وهامان وقارون ، يمثل موقف الطغاة من دعوة الحق ، ويعرض فيها حلقة جديدة لم تعرض في قصة موسى من قبل ، ولا تعرض إلا في هذه السورة وهي حلقة ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ، يدافع عن موسى ، ويصدع بكلمة الحق والإيمان في تلطف وحذر في أول الأمر ، ثم في صراحة ووضوح في النهاية ، ويعرض في جدله مع فرعون حجج الحق وبراهينه قوية ناصعة ، يحذرهم يوم القيامة ، ويمثل لهم بعض مشاهده في أسلوب مؤثر ، ويذكرهم موقفهم وموقف الأجيال قبلهم من يوسف عليه السلام ورسالته ، ويستطرد السياق بالقصة حتى يصل طرفها بالآخرة فإذا هم هناك ، وإذا هم يتحاجون في النار ، وإذا حوار بين الضعفاء والذين استكبروا ، وحوار لهم جميعا مع خزنة جهنم يطلبون فيه الخلاص ، ولات حين خلاص ، وفي ظل هذا المشهد يوضح الحق سبحانه أن العاقبة للمرسلين في الدنيا ويوم القيامة ، فقد نصر الله موسى رغم جبروت فرعون ، ثم يدعو الرسول الأمين إلى الصبر والثقة بوعد الله الحق ، والتوجه إلى الله بالتسبيح والحمد والاستغفار .

الفصل الثلث : الترغيب والترهيب .

يستغرق الفصل الثالث الآيات من ( 65-77 ) ويبدأ بتقرير أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان إنما يدفعهم إلى هذا كبر في نفوسهم عن الحق ، وهو أصغر وأضأل من هذا الكبر ، ويوجه القلوب حينئذ إلى هذا الوجود الكبير الذي خلقه الله ، وهو أكبر من الناس جميعا ، ولعل المتكبرين يتصاغرون أمام عظمة خلق الله ، وتتفتح بصيرتهم فلا يكونون عميا : { وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون } . ( غافر : 58 ) .

ويذكرهم بمجيء الساعة ، ثم يفتح الباب أمامهم إلى دعاء الله والاستجابة لأمره ، فأما الذين يستكبرون فسيدخلون جهنم أذلاء صاغرين ، ويعرض في هذا الموقف بعض آيات الله الكونية التي يمرون عليها غافلين ، يعرض عليهم الليل وقد جعله الله سكنا ، والنهار مبصرا ، والأرض قرارا ، والسماء بناء ، ويذكرهم بأنفسهم وقد صورهم ، ويوجههم إلى دعوة الله مخلصين له الدين ، ويلقن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من عبادتهم ، وأن يعلن إسلامه لرب العالمين ، ثم يلمس قلوبهم بأن الله الواحد هو الذي أنشأهم من تراب ثم من نطفة . . وهو الذي يحيي ويميت . ثم يعود فيعجب رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر الذين يجادلون في الله وينذرهم عذاب يوم القيامة في مشهد عنيف ، تعلق فيه الأغلال في أعناقهم ويسحبون في الحميم ، ويحرقون في النار جزاء كفرهم وشركهم بالله ، وعلى ضوء هذا المشهد يوجه الله رسوله إلى الصبر والثقة بأن وعد الله حق ، سواء أبقاه حتى يشهد ما يعدهم ، أو يتوفاه قبل أن يراه فسيتم الوعد هناك .

الفصل الرابع : نهاية الظالمين .

يشمل الفصل الرابع على الآيات الأخيرة في السورة من ( 78-85 ) ويذكر أن الله أرسل رسلا وأنبياء كثيرين لهداية الناس ، منهم من ذكر في القرآن ومنهم من لم يذكر : { وما كان لرسول أن يأتي بآية . . . } وأن يقدم معجزة لقومه : { إلا بإذن الله . . . } ( غافر : 78 ) . على أن في الكون آيات قائمة وبين أيديهم آيات قريبة ، ولكنهم يغفلون عن تدبرها . . هذه الأنعام المسخرة لهم ، من سخرها ؟ وهذه الفلك التي تحملهم ، أليست آية يرونها ؟ ومصارع الغابرين ألا تثير في قلوبهم العظة والتقوى ؟ وتختم السورة بإيقاع قوي على مصرع من مصارع المكذبين وهم يرون بأس الله فيؤمنون حيث لا ينفعهم الإيمان : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون } . ( غافر : 85 )

عظمة الخالق ، وعقاب المكذبين

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حم ( 1 ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( 2 ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( 3 ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( 4 ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسلهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( 5 ) وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا وأنهم أصحاب النار ( 6 ) }

المفردات :

حم : حروف مقطعة ، بدأ الله بها بعض السور للتنبيه ، أو للتحدي والإعجاز .

1

التفسير :

1 ، 2- { حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم } .

حم : حروف للتنبيه ، مثل الجرس الذي يُقرع ، فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة ، أو هي حروف للتحدّي والإعجاز ، كما تقدم بيان ذلك في سور سابقة .

{ تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم } .

هذا الكتاب ليس سحرا ولا شعرا ولا كهانة ، ولا افتراء من عند محمد ، كما يدعي الكافرون ، بل هو تنزيل من عند الله ، العزيز في انتقامه من أعدائه ، العليم بعباده ظاهرهم وباطنهم ، والمحاسب والمجازي على أفعال العباد .


[1]:- حاشية الجمل 2/647 نقلا عن تفسير الخازن.
 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة غافر مكية ، آياتها خمس وثمانون ، نزلت بعد سورة الزمر ، ويسميها بعضهم " المؤمن " . وهي كسائر السور المكية تعالج قضية التوحيد ، والبعث والوحي والرسالة . ومن أهم ما عالجته قضية الحق والباطل والإيمان والكفر ، وقضية الدعوة والتكذيب ، ووصف الكتاب الكريم ، وأن الله تعالى هو العزيز العليم ، وهو غافر الذنب وقابل التوبة . وهذه هي الصفات التي يتحلى بها دائما ، وأنه على الجاحدين المكذبين شديد العقاب . ثم تمر السورة مرا سريعا بالذين يجادلون في آيات الله بالباطل ، وأنهم هم وما أوتوا وما جادلوا به ليس لهم قيمة وما مصيرهم إلا إلى النار . ثم تصف الملائكة وحملة العرش منهم خاصة ، وكيف يسبّحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ، كما تذكر استجابة الله لدعائهم ، وما ينتظر المؤمنين في الآخرة من نعيم .

وتتحدث السورة في أكثر من موضع عن آيات الله وقدرته في السموات والأرض ، ودعوة الناس إلى توحيده بالعبادة . { فادْعوا الله مخلصين له الدين } . وقد اشتملت السورة في عدد من آياتها على التذكير باليوم الآخر : { وأنذرهم يوم الآزفة ، إذِ القلوب لدى الحاجر كاظمين } .

وجوّ السورة كله جوّ المعركة بين الحق والباطل ، وبين الإيمان والطغيان ، وبين المتكبرين المتجبرين في الأرض ، وبأس الله الذي يأخذهم بالدمار والعذاب . وتجد بين ذلك استراحات لطيفة من جوّ نسمات الرحمة والرضوان حين يجيء ذكر المؤمنين .

وكما ذكرت في مقدمة الكلام فإن السورة افتتحت بقوله تعالى { غافر الذنب وقابل التوب } فالله سبحانه وتعالى تغلب عنده صفاتُ الرحمة والرأفة على صفات العذاب والعقاب ، وبذلك سميت سورة " غافر " .

وفي أثناء السورة يقع الحديث عن قصة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه ، ويأتي فيها ذكر رجل مؤمن من آل فرعون يُخفي إيمانه ، يَصْدَع بكلمة الحق في تلطف وحذر ، ثم في صراحة ووضوح . وهو ينصح قومه ألاّ يقتلوا موسى ، ويذكّرهم بعذاب الله وانتقامه . . ولكن فرعون لا يسمع له ، ويظل على استبداده وتجبره وطغيانه . ويكرر الرجل المؤمن نصائحه ولكن لا أحد يسمع له . وتنتهي القصة بهلاك فرعون وأتباعه ، ونجاة المؤمن ، الذي يقول لهم : { يا قوم ، مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار . . . } إلى أن يقول لهم : { فستذكرون ما أقول لكم ، وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد } . وتختم القصة بنجاته وهلاك فرعون وآله { فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب . . . } .

وفي جو السورة عرض لمصارع الغابرين ، وعرض لمشاهدَ من القيامة ، وتتكرر آياتها بشكل ظاهر . وهي تعرض في صورها العنيفة المخيفة تلك المشاهدَ متناسقة مع جو السورة كله ، مثل طلب أهل النار الخروجَ منها لشدة الهول ، ورفض طلبهم ، وغير ذلك مما يدور فيه الحوار .

وتختم السورة بدعوة الناس إلى أن يسيروا في الأرض لينظروا ما حل بالأمم قبلهم ، وكيف كان عاقبة غرورهم بما عندهم من العلم . فلما حل بهم عذاب الله قالوا : آمنا بالله وحده ، وكفرنا بما أشركنا به ، ولكنهم آمنوا بعد فوات الأوان ، { فلم يكُ ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ، سنة الله التي قد خلت في عباده وخَسِرَ هنالك الكافرون } . ولن تجد لسنة الله تبديلا .

حاميم هكذا تقرأ . حرفان من حروف الهجاء ، بدئت بهما السورة للإشارة إلى أن القرآن مؤلف من جنس هذه الحروف ، ومع ذلك عجِز المشركون عن الإتيان بأصغر سورة من مثله .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

شرح الكلمات :

{ حم } : هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا : حم ويقرأ هكذا : حا مِيْم .

المعنى :

قوله تعالى : حم : الله أعلم بمراده به .

وقد ذكرنا غير ما مرة أن هذه الحروف أفادت فائدتين الأولى أن العرب المشركين في مكة كانوا قد منعوا المواطنين من سماع القرآن حتى لا يتأثروا به فيكفروا بآلهتهم فقد أخبر تعالى عنهم في قوله من سورة فصلت فقال : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } فكانت هذه الحروف المقطعة بنغمها الخاص تستهويهم فيسمعوا فكانت فائدة عظيمة . والثانية أن المشركين لما أصروا على أن القرآن لم يكن وحياً وإنما هو من جنس ما يقوله الشعراء والكهان ، وأصحاب الأساطير تحداهم الله تعالى بالإِتيان بمثله وهو مركب ومؤلف من هذه الحروف آلم طس حم والذي قوى هذه النظرية أنه غالبا ما يذكر القرآن بعد ذكر هذه الحروف مثل آلم تلك آيات الكتاب ، حم تنزيل الكتاب ، حم والكتاب المبين فهاتان الفائدتان من أحسن ما استنبطه ذو الشأن في تفسير القرآن ، وما عدا ذلك فلا يحسن روايته لخلوه من فائدة معقولة ، ولا رواية عن الرسول وأصحابه منقولة .