الوسوسة : الصوت الخفي ، ومنه وسواس الحلي ، والمراد بها هنا : حديث النفس ، وما يخطر بالبال من شتى الشئون .
حبل الوريد : عرق كبير في العنق ، وللإنسان وريدان مكتنفان بصفحتي العنق .
16- { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } .
تالله لقد خلقنا جنس الإنسان ، أي كل إنسان في هذا الوجود ، من آدم إلى قيام الساعة ، وعلمنا ممتد إلى خارجه وداخله ، فنحن نعلم العلانية ، ونعلم وسوسة النفس وحديثها ، وصوتها الخفي الذي لا يسمعه أحد ، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ، وهو وتين العنق إذا انقطع مات الإنسان ، أي لا تخفى علينا خافية من أمره ، ونحن أقرب إليه من دمه الذي يجري في عروقه .
وتصور الآية سعة اطلاع علم الله على ما في داخل الإنسان ، وعظيم قربه واطلاعه ، ففي جناب الله رهبة وخوف وعظمة ، وقرب مشاهدة وعظيم إحاطة ، وفيه في نفس الوقت محبة ومودة وحنان وعطف ، ومن رحمة الله وفضله أنه لا يعاقب الإنسان على حديث نفسه حتى يتكلم به أو يعمل به .
أخرج أصحاب الكتب الستة ( البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ، ما لم تتكلم به أو تعمل به )9 .
الوسوسة : حديث النفس ، وما يخطر بالبال .
حبل الوريد : عِرق كبير في العنق .
ثم ذكر الله تعالى دليلاً آخر على إمكانه وقدرته ، وهو علمُه بما في صدور الناس جميعا :
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ }
فلا يخفى علينا شيءٌ من أمرِ البشر .
ثم بين أكثر من ذلك بقوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد }
ونحن لعلمِنا بأحواله كلها أقربُ إليه من عِرق الوريد ، الذي هو في جسده ذاته .
أخرج ابنُ مردويه عن أبي سعيد الخدريّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «نزل اللهُ في ابن آدم أربع منازل : هو أقربُ إليه من حبل الوريد ، وهو يحُول بين المرء وقلبه ، وهو آخذ بناصيةِ كل دابة ، وهو معهم أينما كانوا » .
{ 16-18 } { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
يخبر تعالى ، أنه المتفرد بخلق{[821]} جنس الإنسان ، ذكورهم وإناثهم ، وأنه يعلم أحواله ، وما يسره ، ويوسوس في صدره{[822]} وأنه أقرب إليه من حبل الوريد ، الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان ، وهوالعرق{[823]} المكتنف لثغرة النحر ، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه ، المطلع على ضميره وباطنه ، القريب منه{[824]} في جميع أحواله ، فيستحي منه أن يراه ، حيث نهاه ، أو يفقده ، حيث أمره ،
قوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } يحدث به قلبه فلا يخفى علينا سرائره وضمائره ، { ونحن أقرب إليه } أعلم به ، { من حبل الوريد } لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضاً ، ولا يحجب علم الله شيء ، وحبل الوريد عرق العنق ، وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين ، يتفرق في البدن ، والحبل هو الوريد ، فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين .
ولما ذكر خلق الخافقين ، أتبعه خلق ما هو جامع لجميع ما هو فيها فقال : { ولقد } أي و-{[61141]} الحال أنا قد { خلقنا } بما لنا من العظمة { الانسان } وهو أعجب خلقاً وأجمع من جميع ما مضى ذكره بما فيه من الأنس والطغيان ، والذكر والنسيان ، والجهل والعرفان ، والطاعة والعصيان ، وغير ذلك من عجيب الشأن ، ووكلنا به من جنودنا من يحفظه فيضبط حركاته وسكناته وجميع أحواله { ونعلم } أي والحال أننا نعلم بما لنا من الإحاطة { ما توسوس } أي تكلم على وجه الخفاء ، { به } الآن وفيما بعد ذلك مما لم ينقدح بعد من خزائن الغيب إلى سر-{[61142]} النفس كما علمنا ما تكلم { نفسه } وهي الخواطر التي تعترض له حتى أنه هو ربما عجز عن ضبطها ، فنحن نعلم أن قلوبهم عالمة بقدرتنا{[61143]} على أكمل ما نريد وبصحة القرآن وإعجازه وصدق الرسول به صلى الله عليه وسلم وامتيازه ، وإنما حملهم الحسد والنفاسة والكبر والرئاسة على الإنكار باللسان حتى صار ذلك لهم خلقاً وتمادوا فيه حتى غطى على عقولهم ، فصاروا في لبس محيط بهم-{[61144]} من جميع الجوانب .
ولما كان العالم بالشيء كلما كان قريباً منه كان علمه به {[61145]}أثبت وأمكن{[61146]} ، قال ممثلاً لعلمه ومصوراً له بما نعلم أنه موجبه : { ونحن } بما لنا من العظمة { أقرب إليه } قرب علم وشهود من غير مسافة { من حبل الوريد * } لأن أبعاضه وأجزاءه تحجب بعضها بعضاً ، ولا يحجب علم الله شيء{[61147]} ، والمراد به الجنس ، {[61148]}والوريدان عرقان{[61149]} كالحبلين {[61150]}مكتنفان لصفحتي{[61151]} العنق في مقدمها متصلات من الرأس إلى الوتين وهو عرق القلب ، وهذا مثل في فرط القرب ، وإضافته مثل مسجد الجامع ، وقد مضى في {[61152]}تفسير سورة المائدة{[61153]} عند قوله
{ والله يعصمك من الناس }[ المائدة : 67 ] ما ينفع هنا ، قال القشيري : وفي هذه الآية هيبة وفزع وخوف لقوم ، وروح وأنس وسكون قلب لقوم{[61154]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.