النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ} (16)

قوله عز وجل : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل [ إلا ] في خفاء وإسرار ، ومنه قول رؤبة :

وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق{[2736]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

{ وَنَحْنُ أَقْرَبٌ إِلَيهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه حبل معلق به القلب ، قاله الحسن . والأصم وهو الوتين .

الثاني : أنه عرق في الحلق ، قاله أبو عبيدة .

الثالث : ما قاله ابن عباس ، عرق والعنق ويسمى حبل العاتق ، وهما وريدان عن يمين وشمال ، وسمي وريداً ، لأنه العرق الذي ينصب إليه ما يرد من الرأس .

وفي قوله { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ } تأويلان :

أحدهما : ونحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه .

الثاني : ونحن أملك به من حبل وريده ، مع استيلائه عليه .

ويحتمل ثالثاً : ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده ، الذي هو من نفسه ، لأنه عرق يخالط القلب ، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب .


[2736]:عجز هذا البيت: سرا وقد أون تأوين العقق. ومعنى أون: أكل وشرب حتى امتلأ. والعقق جمع عقوق كرسول ورسل وهي التي كمل حملها وقربت ولادتها. والشاعر يصف صائدا لما أحس بالصيد وسوس نفسه بالدعاء.