فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ} (16)

قوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر بعض القدرة الربانية ، والمراد بالإنسان : الجنس ، وقيل : آدم ، والوسوسة هي في الأصل الصوت الخفيّ ، والمراد بها هنا : ما يختلج في سرّه وقلبه وضميره : أي نعلم ما يخفي ، ويكنّ في نفسه ، ومن استعمال الوسوسة في الصوت الخفيّ قول الأعشى :

تسمع للحلى وسواساً إذا انصرفت *** . . .

فاستعمل لما خفي من حديث النفس { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد } هو حبل العاتق ، وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه ، وهما وريدان من عن يمين وشمال . وقال الحسن : الوريد : الوتين ، وهو عرق معلق بالقلب ، وهو تمثيل للقرب بقرب ذلك العرق من الإنسان : أي نحن أقرب إليه من حبل وريده ، والإضافة بيانية : أي حبل هو الوريد . وقيل : الحبل هو نفس الوريد ، فهو من باب مسجد الجامع .