الآية 16 وقوله تعالى : { وقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } هو يخرّج على وجهين :
أحدهما : يقول على علم منا يحدّث به نفسه من أنواع الحديث والوسوسة لا عن جهل وخفاء عن ذلك . فإن هو كفّها ، وحبسها عما تدعو به إليه نفسه ، وتهواه ، وصرفها{[19747]} إلى ما يدعوه عقله وذهنه ، نجا ، وفاز ، كقوله تعالى : { إن النفس لأمّارة بالسوء إلا من رحم ربي } [ يوسف : 53 ] وقوله{[19748]} : { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } { فإن الجنة هي المأوى } [ النازعات : 40 و41 ] .
وإن تركها حتى تمادى في هواها هلك . قال الله تعالى : { فأما من طغى } { وآثر الحياة الدنيا } { فإن الجحيم هي المأوى } [ النازعات : 37 و38 و39 ] وقال في آية أخرى : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } [ الفرقان : 43 ] .
والثاني : يذكر : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } أي نحن مطّلعون على ذلك ، ليس علم ذلك إلى الحفظة ، وهم يتولّون كتابته ، أي لم يجعل ذلك إلى أحد ، إنما ذلك إلى الله تعالى ، هو العالم بذلك ، وهو المطّلِع عليه دون الملائكة ، وإنما إلى الملائكة ما يلفظه ، ويفعل بالجوارح لقوله : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عنيد } [ ق : 18 ] [ وقوله في سورة ]{[19749]} أخرى : { وإن عليكم حافظين } { كراما كاتبين } { يعلمون ما تفعلون } [ الانفطار : 10و11 و12 ] أخبر أن الحَفَظة إنما يعلمون ما تفعلون ظاهرا . أما ما تُسرّون في قلوبكم فالله هو المطّلع على ذلك ، العالم ، لتكونوا أبدا على اليقظة والحذر ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } يُفهم من قرب الرب تعالى إلى العبد ما يُفهم من قرب العبد إلى الله .
وإنما يكون قُرب العبد إلى الله تعالى بالطاعة له والقيام بأمره والانقياد والخضوع له . هذا هو المفهوم من قرب العبد إلى الله تعالى لا قرب شيء آخر . فعلى ذلك يُفهم من قرب الله تعالى إلى العبد الإجابة والنصر والمعونة والتوفيق على الطاعات .
وعلى ذلك ما يُقال : فلان قريب إلى فلان ، لا يعنون قرب نفسه من نفسه في المكان ، ولكم يعنون نصره له ومعونته إياه وإجابته .
ويحتمل أن يُذكر القرب منه كناية عن العلم بأحواله ظاهرا وباطنا ، والله أعلم .
وأصله أن تُعتبر الأحوال في ما ذكر من القُرب :
فإن كان في السؤال فالمراد أنه قريب منه بالإجابة له ، أي يجيبه كقوله تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } [ البقرة : 186 ] .
وإن كان في ما يُسرّون ، ويُضمرون ، فيفهم من القُرب في تلك الحالة العلم به كقوله تعالى : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } [ المجادلة : 7 ] فعلى ذلك قوله : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } وقوله : { ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون } [ الواقعة : 85 ] يُفهم منه النصر والمعونة أو العلم .
فيكون قوله : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } أي أعلم وأولى به وأحق من غيره في النصر والمعونة وأولى به في الإجابة ، والله أعلم .
وعلى ذلك يخرّج ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم [ عن الله عز وجل ]{[19750]} [ من تقرّب إليّ شبرا تقربت منه شبرين ] [ بنحوه البخاري 7537 ] على ما ذكرنا من قرب الطاعة له وقرب الرّب إليه بالنصر والمعونة لا قرب المكان ، ولا قوة إلا بالله .
وقوله تعالى : { من حبل الوريد } قال بعضهم : عرق العُنق ، والوريد العُنُق . وقال بعضهم : هو عرق بين القلب والحلقوم . وقال بعضهم : هو عرق القلب ، معلّق به ، فإذا قُطع ذلك العرق يموت الإنسان والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.