جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ} (16)

{ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } : ما يخطر بضميره ، " ما " موصولة والباء صلة لتوسوس أي : الذي تحدث نفسه به أو مصدرية ، والباء للتعدية والضمير للإنسان ، { ونحن أقرب{[4717]} إليه } المراد قرب علمه منه فتجوز بقرب الذات ، لأنه سبب أو المراد قرب الملائكة منه ، { من حبل } : عرق ، { الوريد } : عرق العنق ، والإضافة بيانية ،


[4717]:قال شيخ الإسلام– أبو العباس أحمد بن عبد الحليم رحمه الله في شرح حديث النزول: وجميع ما وصف به الرب عز وجل نفسه من القرب فليس فيه ما هو عام لجميع المخلوقات كما في المعية، فإن المعية وصف نفسه فيها بعموم وخصوص وأما قربه ما يقرب منه فهو خاص لمن يقرب منه كالداعي والعابد، وكقربه عشية عرفة ودنوه إلى السماء الدنيا لأجل الحجاج، ثم أطال الكلام في ذلك إلى أن قال: وليس في القرآن وصف الرب تعالى بالقرب من كل شيء أصلا، بل قربه الذي في القرآن خاص لا عام كقوله تعالى:{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}[البقرة:186] فهو سبحانه قريب ممن دعاه إلى أن قال: أما قوله تعالى:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وقوله {فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون}[الواقعة:82-85] فالمراد به قربه إليه بالملائكة، وهذا هو المعروف عن المفسرين المتقدمين من السلف قالوا: ملك الموت أدنى إليه من أهله، ولكن لا تبصرون الملائكة، وقد قال طائفة: ونحن أقرب إليه بالعلم، وقال بعضهم: بالعام والقدرة والرؤية، وهذه الأقوال ضعيفة فإنه ليس في الكتاب والسنة وصفه بقرب عام من كل موجود حتى يحتاجوا إلى أن يقولوا بالعلم والقدرة، ولكن بعض الناس لما ظنوا أنه يوصف بالقرب من كل شيء تأولوا ذلك بأنه عالم بكل شيء قادر على كل شيء، وكأنهم ظنوا أن لفظ القرب مثل لفظ المعية إلى أن قال: وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه، وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس، والضحاك، ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، ثم أطال الكلام في معية القرب، إلى أن قال: ومما يدل على أن القرب ليس المراد به العلم لأنه قال:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد} فأخبر أنه يعلم ما توسوس به نفسه، ثم قال{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} فأثبت العلم، وأثبت القرب، وجعلهما شيئين فلا يجعل أحدهما هو الآخر، وقيد القرب بقوله: {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وأما من آمن أن المراد بذلك قرب ذات الرب من حبل الوريد، وأن ذاته أقرب إلى الميت من أهله، فهذا من غاية الضعف إلى قوله: وسياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة، فإنه قال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فقيد القرب بهذا الزمان وهو زمان تلقي المتلقيان عن اليمين، وقعيد عن الشمال، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} إلى آخر ما قال رحمه الله.