زخرفا : الزينة المزوقة ، ومنه قيل للذهب زخرف .
لما متاع : إلا متاع ، حكى سيبويه : نشدتك الله لما فعلت كذا ، أي : إلا فعلت كذا .
35- { وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين } .
أي : جعلنا في بيوتهم نقوشا وزينة ، ويطلق الزخرف على الذهب ، وعلى الزينة والنقش المموه بالذهب ، أي : جعلنا لبيوتهم أبوابا وسررا ومصاعد من الفضة والذهب ، أو جعلنا لهم زينة وزخرفا من ستور ونمارق ونقوش .
جعلنا بيوت الكفار ودرجها ومصاعدها وسقفها من الفضة والذهب ، وبها كثير من أنواع الزينة ، وكل ذلك النعيم متاع الحياة الدنيا الفانية . أما الآخرة وجنانها ونعيمها ، وأنهارها وحورها وولدانها فهي للمتقين خاصة .
وإذا تساءل إنسان وقال : إذا لم يوسع الله على الكافرين جميعا خوف الفتنة ، فهلا وسّع على المؤمنين جميعا في الدنيا ؟
والجواب : سيدخل الناس في الإيمان رغبة في الدنيا ، وهذا باب واسع للمنافقين ، فكانت الحكمة فيما شرع الله واختار ، حيث جعل في الكفار فقراء وأغنياء ، وجعل في المؤمنين فقراء وأغنياء ؛ لتكتمل حكمة الله في الاختبار والابتلاء ، ويظل للعبد مساحة من الاختيار والرغبة ، وتحديد السلوك والطريق الذي يختاره ، ليكون ذلك أساس الجزاء العادل من الله .
قال تعالى : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } . ( الإنسان : 2 ، 3 ) .
{ وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا . . . }
أي : إنما ذلك من الدنيا الفانية ، الزائلة الحقيرة عند الله تعالى ، فهو سبحانه يعجّل لهم حسناتهم التي يعملونها في الدنيا ، مآكل ومشارب ، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها .
ثم قال سبحانه وتعالى : { والآخرة عند ربك للمتقين } .
أي : هي لهم خاصة لا يشاركهم فيها أحد غيرهم ، ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين رآه على رمال حصير قد أثر بجنبه ، فابتدرت عيناه بالبكاء ، وقال : يا رسول الله ، هذا كسرى وقيصر فيما هم فيه ، وأنت صفوة الله من خلقه ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس ، وقال : ( أفي شك أنت يا ابن الخطاب ) ؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أولئك قوم عجِّلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ) وفي رواية : ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) ؟ 5 .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة )6 . وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها .
إنْ كل ذلك لمّا متاع الحياة : إنْ كل ذلك إلا متاع الحياة .
وما هذا كلّه إلا متاع قليلٌ زائل مقصور على الحياة الدنيا الفانية .
{ والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }
أعدّها الله للذين أحسنوا واتقَوا وأخلصوا في إيمانهم .
روى الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو كانت الدنيا تَعْدل عند الله جناحَ بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء » .
قرأ عاصم وحمزة وهشام : لمّا متاع الحياة بتشديد ميم لما . والباقون : لما بالتخفيف .
ودل على ما لا يتناهى من غير ذلك بقوله : { وزخرفاً } أي ذهباً وزينة عامة كاملة .
ولما كان لفظ الزخرف دالاً على كون ذلك أمراً ظاهرياً متلاشياً عند التحقيق ، دل عليه بقوله مؤكداً لما تقرر في النفوس من أن السادة في مثل ذلك ، وما كان مقرراً عندهم من أن السعيد في الأولى سعيد في الآخرة على تقدير كونها : { وإن } أي وما { كل ذلك } أي الأمر البعيد عن الخير لكونه في الأغلب مبعداً مما يرضينا ، ولأن صاحبه لا يزال فقيراً وإن استوسقت له الدنيا ملكاً وملكاً ، لأنه لا بد أن يبقى في نفسه شيء لا تبلغه قدرته فهو لا يزال مغبوناً { لما } أي إلا - هذا على قراءة عاصم وحمزة بالتشديد : وهي في قراءة الباقين بالتخفيف فارقة بين النافية والمخففة ، وما مؤكدة والخبر هو { متاع الحياة الدنيا } أي التي اسمها دال على دناءتها وأن لها ضرة هي الآخرة ، وهو منقطع بالموت ، فلذلك اقتضت رحمته أن لا يضيق على المؤمنين في الأغلب لأن السعة تنقصهم في الآخرة ويطول الحساب { والآخرة } التي لا دار تعدلها بل لا دار الحقيقة إلى هي .
ولما كانت الإضافة إلى الجليل دالة على جلالة المضاف إليه فقال : { عند ربك } وأشار بالوصف بالرب إلى أن الجلالة بالحسن والراحة ، وبالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم في أعلى الغايات { للمتقين } أي الذين هم دائماً واقفون عن أدنى تصرف إلا بدليل لا يشاركهم فيها غيرهم ، وهذا لما ذكر عمر رضي الله عنه كسرى وقيصر وما كانا فيه من النعم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا ترضى أن يكون لهم الدنيا ولنا الأخرى " ولا يبعد أن يكون ما صار إليه الفسقة من الجبابرة من زخرفة الأبنية وتركيب السقوف وغيرها من مساوئ الفتنة بأن يكون الناس أمة واحدة بالكفر قرب الساعة حتى لا تقوم الساعة على من يقول : الله ، وفي زمن الدجال من يبقى إذ ذاك على الحق في غاية القلة بحيث إنهم لا عداد لهم في جانب الكفرة لأن كلام الملوك لا يخلو عن حقيقة ، وإن خرج مخرج الشرط فكيف بملك الملوك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.