تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

8

10- { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }

أي : إن الشيطان هو الذي يحرض المنافقين واليهود على التناجي بالسوء والعدوان ، وإيذاء المسلمين وإيهامهم أن سوءا قد أصاب أقاربهم ، هذه حيل الشيطان في تحريض أتباعه ، ليفعلوا أشياء تصيب أحد المسلمين بالحزن ، أو الرعب أو الخوف ، مع أن عقيدتنا في القضاء والقدر تفيد أن أحدا لا يضر أو ينفع إلا بإذن الله ومشيئته وإرادته ، وعلى الله وحده فليتوكل وليعتمد وليثق المؤمنون ، ولا يبالوا بنجوى المنافقين ، فإن الله يعصمهم من شرهم وكيدهم .

أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ، فإذ ذلك يحزنه " xi

النجوى يوم القيامة

أخرج البخاري ، ومسلم ، وأحمد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، ويقول له : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أن قد هلك ، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون ، فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين " xii .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : { إنما النجوى من الشيطان } أي من تزيين الشياطين{ ليحزن الذين آمنوا }إذا توهموا أن المسلمين أصيبوا في السرايا ، أو إذا أجروا{[14775]} اجتماعهم على مكايدة المسلمين ، وربما كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي صلى الله عليه وسلم { وليس بضارهم شيئا } أي التناجي { إلا بإذن الله } أي بمشيئته وقيل : بعلمه . وعن ابن عباس : بأمره . { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي يكلون أمرهم إليه ، ويفوضون جميع شؤونهم إلى عونه ، ويستعيذون به من الشيطان ومن كل شر ، فهو الذي سلط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانا ولو شاء لصرفه عنه .

الثانية- في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد ) . وعن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه ) فبين في هذا الحديث غاية المنع ، وهي أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر ، ذلك أنه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعا ، فقال له وللأول : تأخرا وناجى الرجل الطالب للمناجاة . خرجه الموطأ . وفيه أيضا التنبيه على التعليل بقوله : ( من أجل أن يحزنه ) أي يقع في نفسه ما يحزن لأجله . وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره ، أو أنه لم يروه أهلا ليشركوه في حديثهم ، إلى غير ذلك من أُلْقِيَات الشيطان وأحاديث النفس . وحصل ذلك كله من بقائه وحده ، فإذا كان معه غيره أمن ذلك ، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد ، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلا ، لوجود ذلك المعنى في حقه ، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع ، فيكون بالمنع أولى . وإنما خص الثلاثة بالذكر ؛ لأنه أول عدد يتأتى ذلك المعنى فيه . وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال ، وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور . وسواء أكان التناجي في مندوب أو مباح أو واجب فإن الحزن يقع به . وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام ؛ لأن ذلك كان في حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين ، فلما فشا الإسلام سقط ذلك . وقال بعضهم : ذلك خاص بالسفر في المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه ، فأما في الحضر وبين العمارة فلا ، فإنه يجد من يعينه ، بخلاف السفر فإنه مظنة الاغتيال وعدم المغيث{[14776]} . والله أعلم .


[14775]:في ح، ز، هـ: "وإذا رأوا إجماعهم".
[14776]:في ح، ز، س، ل، هـ: "الغوث".
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

قوله : { إنما النجوى من الشيطان } يعني إنما تصدر المناجاة أو المسارة بين المنافقين عقب تسويل الشيطان لهم ، فإنه لمن طبع الشيطان الخبيث أن يزين لأتباعه من الظالمين والمنافقين فعل المنكرات والمعاصي . وههنا يزين الشيطان اللعين للمنافقين أن يتناجوا بينهم بالشر والمكر والأذى { ليحزن الذين آمنوا } ، كانت المناجاة أو المسارة بين المنافقين تغيظ المسلمين أو تثير في نفوسهم الخوف والقلق والريبة ، إذ يتوهمون حصول المكاره لهم { وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله } أي أن التناجي بين المنافقين لا يضر المسلمين شيئا إلا أن يشاء الله ، فما يقع للمرء من أمر ولا حدث ولا خطب في الخير أو السوء إلا مما قدره له الله .

قوله : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } على المؤمنين في كل الأحوال أن يعتمدوا على ربهم فيعولوا عليه تعويلا ، ويفوضوا أمرهم كله إليه فعليه الاعتماد والاستناد والتكلان{[4483]} .

وقد وردت السنة الكريمة بالنهي عن التناجي والمسارة إن علم المتناجون أن ذلك يحزن من كان بجانبهم من الناس ، فيتأذون أو يرتابون ويتوهمون . فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ، فإن ذلك يحزنه " وفي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد " يتبين من ذلك النهي عن التناجي بين اثنين في حضرة ثالث ، لما في ذلك من إحزان له أو إثارة للشك والقلق في نفسه . ويستوي في هذا النهي ما إذا كان المتناجون كثرة أو قلة ، ثلاثة أو عشرة أو ألفا ، فما ينبغي لهم أن يتناجوا في معزل عن واحد منهم وهو يراهم يتناجون ويتسارون ، فيقع في قلبه الخوف والارتياب منهم .


[4483]:الكشاف جـ 4 ص 74 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 324.