تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

55

58 { سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } .

ما أعظم نعيم أهل الجنة ، فهم في أنس مع أزواجهم ، وراحة وعدم وحدة مع حسن المكان ، وإعطائهم كل ما يحتاجون إليه ، وتلذذهم بالنعيم ، وتلقيهم لأجمل تحية ، كما يقول الفخر الرازي في تفسيره .

إن نعيم الجنة عظيم ، ومعه سعادة ونضارة ، وسرور مقيم ، ورضوان من الله أكبر .

روى ابن أبي حاتم بسنده ، وابن ماجة في كتاب السنّة من سننه ، وجماعة ، عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بينما أهل الجنة في نعيم ، إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم ، فإذا الربُّ قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ، فذلك قوله تعالى : { سلام قولا من رب رحيم } . قال : فينظر إليهم ، وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ، ما داموا ينظرون إليه ، حتى يحتجب عنهم ، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم " 24 .

وقيل : يسلّم الله على أهل الجنة عن طريق الملائكة .

لقوله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 23 ، 24 ] .

وعند التحقيق نجد أنه لا منافاة بين القولين ، فالله تعالى يسلّم على أهل الجنة ، والملائكة تسلّم عليهم ، فما أعظم نعيمهم ، وما أكرم جزاءهم ، اللهم اجعلنا من أهل الجنة ، واجعلنا من أهل رضوانك ونورك وبركتك في الدنيا والآخرة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

ثم تبتدئ : " سلام " على معنى ذلك لهم سلام . ويجوز أن يرفع السلام على معنى ولهم ما يدعون مسلّم خالص . فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على " ما يدعون " . وقال الزجاج : " سلام " مرفوع على البدل من " ما " أي ولهم أن يسلم الله عليهم ، وهذا مُنَى أهل الجنة . وروي من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالى قد اطلع عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله : " سلام قولا من رب رحيم " . فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركاته عليهم في ديارهم ) ذكره الثعلبي والقشيري . ومعناه ثابت في صحيح مسلم ، وقد بيناه في " يونس " {[13230]} عند قوله تعالى : " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " [ يونس : 26 ] . ويجوز أن تكون " ما " نكرة ، و " سلام " نعتا لها ، أي ولهم ما يدعون مسلّم . ويجوز أن تكون " ما " رفع بالابتداء ، و " سلام " خبر عنها . وعلى هذه الوجوه لا يوقف على " ولهم ما يدعون " . وفي قراءة ابن مسعود " سلاما " يكون مصدرا ، وإن شئت في موضع الحال ، أي ولهم ما يدعون ذا سلام أو سلامة أو مسلما ، فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على " يدعون " وقرأ محمد بن كعب القرظي " سِلم " على الاستئناف كأنه قال : ذلك سلم لهم لا يتنازعون فيه . ويكون " ولهم ما يدعون " تاما . ويجوز أن يكون " سلام " بدلا من قوله : " ولهم ما يدعون " ، وخبر " ما يدعون " " لهم " . ويجوز أن يكون " سلام " خبرا آخر ، ويكون معنى الكلام أنه لهم خالص من غير منازع فيه . " قولا " مصدر على معنى قال الله ذلك قولا . أو بقوله قولا ، ودل على الفعل المحذوف لفظ مصدره . ويجوز أن يكون المعنى ولهم ما يدعون قولا ، أي عدة من الله . فعلى هذا المذهب الثاني لا يحسن الوقف على " يدعون " . وقال السجستاني : الوقف على قوله : " سلام " تام ، وهذا خطأ لأن القول خارج مما قبله .


[13230]:راجع ج 8 ص 330 طبعة أولى أو ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ} (58)

ثم فسر الذي يدعونه - أي يطلبونه - بغاية الاشتياق إليه أو استأنف الإخبار عنه بقوله : { سلام } أي عظيم جداً لا يكتنه وصفه ، عليكم يا أهل الجنة ، كائن هو أو مقول هو ، والسلام يجمع جميع النعم ، ثم بين حال هذا السلام بما أظهر من عظمه بقوله : { قولاً من رب } أي دائم الإحسان { رحيم * } أي عظيم الإكرام بما ترضاه الإلهية ، كما كانوا في الدنيا يفعلون كل ما فيه الرضا ، فيرحمهم في حال السلام وسماع الكلام بلذة الرؤية مع التقوية عن الدهش والصعق لعظيم الأمر وبالتأهيل لهذا المقام الأكرم مع قصورهم عنه ، وقد أوضح هذا السياق أنه من الله تعالى بلا واسطة ، فإنه أكده بالقول وحرف الابتداء ، وذكر صفات الإحسان كما قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : ولا ارتياب في أنه لا شيء يعدل هذا في النعيم وقرة العين والشرف وعلو القدر ، ولا شك أن هذا هو المقصود بالحقيقة ، فهو قلب النعيم في ذلك اليوم الذي هو قلب الوجود حقاً خفاء وصلاحاً وفساداً ، فصح أن هذه الآية قلب هذه السورة كما كانت هذه السورة قلب القرآن ، وقد ورد حديث في تفسير البغوي وكتاب المائتين للأستاذ أبي عثمان الصابوني أنه من الله تعالى بلا واسطة عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم با أهل الجنة ، وذلك قوله تعالى { سلام قولاً من رب رحيم } فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته في ديارهم "

قال الأستاذ أبو عثمان : هذا حديث غريب الإسناد والمتن لا أعلم أني كتبته إلا من هذا الوجه .