تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

المفردات :

جبلا كثيرا : جماعة عظيمة ، وخلقا كثيرا ، قال الراغب : الجِبِلّ : الجماعة العظيمة ، وقال غيره : الجِبِلّ : الأمة وهي معان متقاربة .

التفسير :

62 { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ( 62 ) } .

لقد زين الشيطان للكافرين كفرهم حتى كذَّبوا الرسل ، واستحقوا عذاب الدنيا والآخرة .

{ جِبِلّا كثيرا } . أي : أمما كثيرة ، وجماعات عظيمة ، وخلقا كثيرا ، فهذا الشيطان قد اخترق صفوفكم ، وأضل جمعا كبيرا ، من الكافرين والمبطلين ، أفلم تشاهدوا ما أصاب المكذبين الذين استهوتهم الشياطين ، فخسروا دنياهم وآخرتهم ، حتى تَعْدِلوا عن طاعة الشيطان ، وتكونوا في طريق الرحمان ، وعلى هديه وأمره وصراطه المستقيم .

قال تعالى : { ومن يكن الشيطان له ، قرينا فساء قرينا } . [ النساء : 38 ] .

وقال سبحانه : { وكان الشيطان للإنسان خذولا } . [ الفرقان : 29 ] .

وقال سبحانه وتعالى : { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ المجادلة : 19 ] .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

قوله تعالى : " ولقد أضل منكم " أي أغوى " جبلا كثيرا " أي خلقا كثيرا . قاله مجاهد . قتادة : جموعا كثيرة . الكلبي : أمما كثيرة ، والمعنى واحد . وقرأ أهل المدينة وعاصم : " جبلا " بكسر الجيم والباء . وأبو عمرو وابن عامر " جبلا " بضم الجيم وإسكان الباء . الباقون " جبلا " ضم الجيم والباء وتخفيف اللام ، وشددها الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وعبد الله بن عبيد والنضر بن أنس . وقرأ أبو يحيى والأشهب العقيلي " جبلا " بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام . فهذه خمس قراءات . قال المهدوي والثعلبي : وكلها لغات بمعنى الخلق . النحاس : أبينها القراءة الأولى ، والدليل على ذلك أنهم قد أجمعوا على أن قرؤوا " والجبلة الأولين " [ الشعراء : 184 ] فيكون " جبلا " جمع جبلة ، والاشتقاق فيه كله واحد . وإنما هو من جبل الله عز وجل الخلق أي خلقهم . وقد ذكرت قراءة سادسة وهي : " ولقد أضل منكم جيلا كثيرا " بالياء . وحكي عن الضحاك أن الجيل الواحد عشرة آلاف ، والكثير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل . ذكره الماوردي . " أفلم تكونوا تعقلون " عداوته وتعلموا أن الواجب طاعة الله .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَضَلَّ مِنكُمۡ جِبِلّٗا كَثِيرًاۖ أَفَلَمۡ تَكُونُواْ تَعۡقِلُونَ} (62)

ولما كان التقدير : فاتبعتموه وسلكتم سبيله مع اعوجاجه ، وتركتم سبيلي مع ظهور استقامته ، عطف عليه قوله : { ولقد أضل منكم } أي عن الطريق الواضح السوي بما سلطته به من الوسوسة ، وأكده إشارة إلى أنه أمر لا يكاد أن يصدق به لما يبعد ارتكابه في العادة من اتضاح أمره وظهور فساده وضره . ولما كان الآدمي شديد الشكيمة عالي الهمة إذا أراد ، عبر بقوله : { جبّلاً } أي أمما كباراً عظاماً كانوا كالجبال في قوة العزائم وصعوبة الانقياد ، ومع ذلك فكان يتلعب بهم تلعباً ، فسبحان من أقدره على ذلك وإلا فهو أضعف كيداً وأحقر أمراً ، قال في القاموس : الجبل - بالضم : الشجر اليابس والجماعة منا كالجبل كعنق وعدل وعتل وطمر وطمرة وأمير ، ثم قال : وبالكسر وبالضم وكطمرة : الأمة والجماعة ، ثم قال : والجبلة مثلثة ومحركة وكطمرة : الخلقة والطبيعة . ودلت قراءة أبي عمرو وابن عامر بضم الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام على الذين هم في أول مراتب الشدة والقوة ، وقراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس عن يعقوب بضمتين وتخفيف على ما فوق ذلك مما يقرب من الوسط مع الظهور والعلو للضم من القوة ، وقراءة روح كذلك مع تشديد على ما فوق الوسط - بما أشارت إليه الحركات والتشديد ، ولكنه مع خفاء ، وكأنه بالمكر بما أشار إليه كون الحركتين بالكسر ، وعظم سبحانه الأمر بقوله : { كثيراً } ثم زاد في التوبيخ والإنكار بما أنتجه المقام وسببه إضلاله لهم مع ما أوتوا من العقول من قوله : { أفلم } ولما كان سبحانه قد آتاهم عقولاً وأيّ عقول ، عبر بالكون فقال : { تكونوا تعقلون * } أي لتدلكم على ما فيه النجاة عقولكم بما نصبت من الأدلة ، مع ما نبهت عليه الرسل ، وحذرت منه من إهلاك الماضين ، بسبب اتباع الشياطين ، وغير ذلك من كل أمر واضح مبين .