لطمسنا على أعينهم : لمحونا وأزلنا معالمها .
فاستبقوا الصراط : فسارعوا إلى الطريق .
فأنى يبصرون : فكيف يبصرون الحق ويهتدون إليه ؟
66 –{ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون } .
إنهم جميعا داخل سيطرة القدير ، الفعال لما يريد ، فلو شاء سبحانه لطمس عيونهم ، وسلب نورها ، ثم يتسابقون إلى الطريق المستقيم ، فكيف يبصرون والعمى قد أذهب أبصارهم ؟
لو نشاء سلبنا عنهم الهداية ، وأعمينا بصيرتهم ، فإذا حاولوا السير في طريق الإيمان والإسلام ، فلن يتذّوقوا حلاوته ، ولن يبصروا هدايته ، وكماله وجماله .
قال ابن عباس : ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى فكيف يهتدون ؟
وقال الحسن البصري : لو شاء الله لطمس على أعينهم ، فجعلهم عميا يترددون .
وقال ابن زيد : { فاستبقوا الصراط . . . } يعني بالصراط هنا الحق ، فأنى يبصرون وقد طمسنا على أعينهم ؟
قوله تعالى : " ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون " حكى الكسائي : طمَس يطمِس ويطمُس . والمطموس والطميس عند أهل اللغة الأعمى الذي ليس في عينيه شق . قال ابن عباس : المعنى لأعميناهم عن الهدى ، فلا يهتدون أبدا إلى طريق الحق . وقال الحسن والسدي : المعنى لتركناهم عميا يترددون . فالمعنى لأعميناهم فلا يبصرون طريقا إلى تصرفهم في منازلهم ولا غيرها . وهذا اختيار الطبري . وقوله " فاستبقوا الصراط " أي استبقوا الطريق ليجوزوا " فأنى يبصرون " أي فمن أين يبصرون . وقال عطاء ومقاتل وقتادة وروي عن ابن عباس : ولو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم ، وأعميناهم عن غيهم ، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى ، فاهتدوا وأبصروا رشدهم ، وتبادروا إلى طريق الآخرة . ثم قال : " فأنى يبصرون " ولم نفعل ذلك بهم ؛ أي فكيف يهتدون وعين الهدى مطموسة ، على الضلال باقية . وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم ، وتأولها على أنها في يوم القيامة . وقال : إذا كان يوم القيامة ومد الصراط . نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، فيقومون برهم وفاجرهم يتبعونه ليجوزوا الصراط ، فإذا صاروا عليه طمس الله أعين فجارهم ، فاستبقوا الصراط فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه . ثم ينادي مناد ليقم عيسى وأمته ، فيقوم فيتبعونه برهم وفاجرهم فيكون سبيلهم تلك السبيل ، وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام . ذكره النحاس وقد كتبناه في التذكرة بمعناه حسب ما ذكره ابن المبارك في رقائقه . وذكره القشيري . وقال ابن عباس رضي الله عنه : أخذ الأسود بن الأسود حجرا ومعه جماعة من بني مخزوم ليطرحه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فطمس الله على بصره ، وألصق الحجر بيده ، فما أبصره ولا اهتدى ، ونزلت الآية فيه . والمطموس هو الذي لا يكون بين جفنيه شق ، مأخوذ من طمس الريح الأثر . قاله الأخفش والقتبي .
ولما أتم بضرب المثل وما بعده الدلالة على مضمون { إنما تنذر من اتبع الذكر } وما عللت به من إحياء الموتى ، ودل على ذلك بما تركه كالشمس ليس فيه لبس ، وزاد من بحور الفوائد وجميل العوائد ما ملأ الأكوان من موجبات الإيمان ، وذكر ما في فريقي المتبعين والممتنعين يوم البعث ، وختم بالحتم على الأفواه بعد البعث ، أتبعه آية الختم بالطمس والمسخ قبل الموت تهديداً عطفاً على ما رجع إليه المعنى مما قبل أول ذلك الخطاب من قوله { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً } الآية ، دفعاً لما ربما وقع في وهم أحد أن القدرة لا تتوجه إلى غير الطمس في المعاني بضرب السد وما في معناه ، فأخبر أنه كما أعمى البصائر قادر على إذهاب الأبصار ، فقال مؤكدا لما لهم من الإنكار أو الأفعال التي هي فعل المنكر : { ولو } وعبر بالمضارع في قوله : { نشآء } ليتوقع في كل حين ، فيكون أبلغ في التهديد { لطمسنا } وقصر الفعل إشارة إلى أن المعنى : لو نريد لأوقعنا الطمس الذي جعلناه على بصائرهم { على أعينهم } فأذهبنا عينها وأثرها ، وجعلناها مساوية للوجه بحيث تصير كأنها لم تكن أصلاً ، وقد تقدم في النساء نقل معنى هذا عن ابن هشام .
ولما كان الجالس مع شخص في مجلس التنازع وهو يهدده إن لم يرجع عن غيه بقارعة يصيبه بها يبادر الهرب إذا فاجأته منه مصيبة كبيرة خوفاً من غيرها جرياً مع الطبع لما ناله من الدهش ، ومسه من عظيم الانزعاج والوجل ، كما اتفق لقوم لوط عليه السلام لما مسح جبريل عليه السلام أعينهم فأغشاها حين بادروا الباب هراباً يقولون : عند لوط أسحر الناس ، سبب عن ذلك قوله : { فاستبقوا } أي كلفوا أنفسهم ذلك وأوجدوه . ولما كان المقصود بيان إسراعهم في الهرب ، عدى الفعل مضمناً له معنى { ابتدروا } كما قال تعالى :
{ واستبقوا الخيرات }[ البقرة : 148 ] فقال : { الصراط } أي الطريق الواضح الذي ألفوه واعتادوه ، ولهم به غاية المعرفة . ولما كان الأعمى لا يمكنه في مثل هذه الحالة المشي بلا قائد فضلاً عن المسابقة ، سبب عن ذلك قوله منكراً : { فأنى } أي كيف ومن أين { يبصرون * } أي فلم يهتدوا للصراط لعدم إبصارهم بل تصادموا فتساقطوا في المهالك وتهافتوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.