تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

40

المفردات :

لا فيها غول : لا تغال عقولهم وصحتهم .

ينزفون : لا تذهب عقولهم بالسكر ، كما ينزف الرجل ماء البئر وينزعه .

التفسير :

47- { لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون } .

ليس في الخمر أي ضرر من أضرار خمر الدنيا ، فهي لا تغتال عقول الشاربين كما في خمر الدنيا ، { ولا هم عنها } – أي بسببها – يسكرون ، وقد وصف الله السكر عن أهل الجنة ، لئلا ينقطع الالتذاذ عنهم ، فعقولهم كاملة ، وسعادتهم مستمرة ، ولا تفسد الخمر عقولهم .

قال الشاعر :

فمازالت الخمر تغتالنا وتذهب بالأول الأول

لقد جمع الله خمر الآخرة كل محاسن الخمر ، وخلّصها من مساوئها ، مثل : اغتيال العقل ، والسكر ، والصداع ، والإدمان ، والتردّي ، وعدم الغيرة على العرض

يقول المتنبي :

وغير فؤادي للغواني رمية وغير بناني للزجاج ركاب

وللسرّ منى موضع لا يناله صديق ولا يطغى إليه شراب

وللخود منّي ساعة ثم بيننا فلاة إلى غير اللقاء تجاب

وما العشق إلا غرة وطماعة يعرض قلب نفسه فيصاب

تركنا لأطراف القنا كل شهوة فليس لنا إلا بهنّ لعاب .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

" لا فيها غول " أي لا تغتال عقولهم ، ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع . " ولا هم عنها ينزفون " أي لا تذهب عقولهم بشربها . يقال : الخمر غول للحلم ، والحرب غول للنفوس ، أي تذهب بها . وقال : نزف الرجل ينزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر . قال امرؤ القيس :

وإذا هي تَمْشِي كمشي النَّزي *** فِ يَصْرَعُهُ بالكثيب البَهَرْ{[13252]}

وقال أيضا :

نزيفٌ إذا قامت لوجْهٍ تمايَلَتْ *** تُرَاشِي الفؤادَ الرَّخْصَ ألا تَخَتَّرَا{[13253]}

وقال آخر{[13254]} :

فلثمتُ فاهَا آخذاً بقُرُونها *** شُرْبَ النَّزِيف ببرد ماءِ الحَشْرَجِ

وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي ، من أنزف القوم إذا حان منهم النزف وهو السكر . يقال : أحصد الزرع إذا حان حصاده ، وأقطف الكرم إذا حان قطافه ، وأركب المهر إذا حان ركوبه . وقيل : المعنى لا ينفدون شرابهم ؛ لأنه دأبهم . يقال : أنزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره . قال الحطيئة{[13255]} :

لعمري لئن أنزفتُم أو صحوتُمُ *** لبئسَ النَّدَامَى كنتم آل أبْجَرَا

النحاس : والقراءة الأولى أبين وأصح في المعنى ؛ لأن معنى " ينزفون " عند جلة أهل التفسير منهم مجاهد لا تذهب عقولهم ، فنفى الله عز وجل عن خمر الجنة الآفات التي تلحق في الدنيا من خمرها من الصداع والسكر . ومعنى " ينزفون " الصحيح فيه أنه يقال : أنزف الرجل إذا نفد شرابه ، وهو يبعد أن يوصف به شراب الجنة ، ولكن مجازه أن يكون بمعنى لا ينفد أبدا . وقيل : " لا ينزفون " بكسر الزاي لا يسكرون . ذكره الزجاج وأبو علي على ما ذكره القشيري . المهدوي : ولا يكون معناه يسكرون ؛ لأن قبله " لا فيها غول " . أي لا تغتال عقولهم فيكون تكرارا ؛ ويسوغ ذلك في " الواقعة " . ويجوز أن يكون معنى " لا فيها غول " لا يمرضون ، فيكون معنى " ولا هم عنها ينزفون " لا يسكرون أو لا ينفد شرابهم . قال قتادة : الغول وجع البطن . وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد " لا فيها غول " قال لا فيها وجع بطن . الحسن : صداع . وهو قول ابن عباس : " لا فيها غول " لا فيها صداع . وحكى الضحاك عنه أنه قال : في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول ، فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال . مجاهد : داء . ابن كيسان : مغص . وهذه الأقوال متقاربة . وقال الكلبي : " لا فيها غول " أي إثم ، نظيره : " لا لغو فيها ولا تأثيم " [ الطور : 23 ] . وقال الشعبي والسدي وأبو عبيدة : لا تغتال عقولهم فتذهب بها . ومنه قول الشاعر :

وما زالت الكأسُ تغتالُنَا *** وتذهب بالأولِ الأولِ

أي تصرع واحدا واحدا . وإنما صرف الله تعالى السكر عن أهل الجنة لئلا ينقطع الالتذاذ عنهم بنعيمهم . وقال أهل المعاني : الغول فساد يلحق في خفاء . يقال : اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره في خفية . ومنه الغول والغيلة : وهو القتل خفية .


[13252]:البهر: الكلال وانقطاع النفس.
[13253]:الختر: ضعف يأخذ عند شراب الدواء أو السم. يقول: هي سكرى من الشراب، إذا قامت به لوجه وجدت فتورا في عظامها وكسلا، فهي تداري فؤادها وتراشيه ألا يعذبها في مشيتها.
[13254]:هو جميل بن معمر. وقيل البيت: لعمر بن أبي ربيعة. والحشرج نقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفو.
[13255]:نسبه الجوهري إلى الأبيردي. وأبجر هو أبجر بن جابر العجلي وكان نصرانيا.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ} (47)

ولما كان قد أثبت لها الكمال ، نفى عنها النقص فقال : { لا فيها غول } أي فساد من تصديع رأس أو إرخاء مفصل أو إخماء كبد أو غير ذلك مما يغتال أي يهلك ، أو يكون سبباً للهلاك { ولا هم عنها } أي عادة بعد شربها { ينزفون * } أي يذهب شيء من عقولهم وإن طال شربهم وكثر لئلا ينقص نعيمهم ولا ينفذ شرابهم أو ما عندهم من الجدة لكل ما يسر به - على قراءة حمزة والكسائي بكسر الزاي من أنزف - مبنياً للفاعل مثل أقل وأعسر - إذا صار قليل المال ، أو ذهب عقله ، وقراءة الجماعة بالبناء للمفعول يحتمل أن تكون من نزف ، وحينئذ يحتمل أن تكون من نفاذ الشراب من قولهم : نزفت الركية ، اي ذهب ماؤها ، وأن تكون من ذهاب العقل من قولهم : نزف الرجل بالبناء للفاعل ، ونزف بالبناء للمفعول بمعنى : ذهب عقله بالسكر ، ويحتمل أن تكون من أنزف ، وحينئذ يحتمل أن تكون من ذهاب العقل من أنزف الرجل - إذا ذهب عقله بالسكر ، وأن تكون من عدم الشراب من قولهم : نزف الرجل الخمرة - سواء كان مبنياً للفاعل أو للمفعول - إذا أفناها .