تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (8)

7

المفردات :

أن تبرّوهم : أي : تفعلوا البرّ والخير لهم .

وتقسطوا إليهم : وتعدلوا فيهم بالبر والإحسان .

المقسطين : العادلين .

التفسير :

8-{ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } .

لا ينهاكم الله عن البرّ والعدل مع الكفار الذين لم يقاتلوكم بسبب دينكم ، ولم يخرجوكم من دياركم ، ولم يعاونوا على إخراجكم أن تحسنوا إليهم في معاملاتهم ، وتكرموهم وتمنحوهم صلتكم ، وتعدلوا بينهم ، إن الله يحبّ أهل البرّ والتواصل والحق والعدل .

جاء في التفسير الكبير للرازي ما يأتي :

قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في خزاعة ، وذلك أنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا فرخّص الله في برّهم والإحسان إليهم .

وأخرج الشيخان ، وأحمد ، عن أسماء بنت أبي بكر ، أنها قالت : قدمت أمي – وهي مشركة – في عهد قريش حين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – تعني في صلح الحديبية - فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها ؟ قال : " نعم ، صلي أمك " ، فأنزل الله تعالى : { لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } . xi

وجاء في الحديث الصحيح : " المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " . والعبرة هنا أيضا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (8)

قوله تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم . قال ابن زيد : كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ . قال قتادة : نسختها { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{[14901]} } [ التوبة : 5 ] . وقيل : كان هذا الحكم لعلة وهو الصلح ، فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم وبقي الرسم يتلى . وقيل : هي مخصوصة في حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن بينه وبينه عهد لم ينقضه ، قاله الحسن . الكلبي : هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف . وقاله أبو صالح ، وقال : هم خزاعة . وقال مجاهد : هي مخصوصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا . وقيل : يعني به النساء والصبيان لأنهم ممن لا يقاتل ، فأذن الله في برهم . حكاه بعض المفسرين . وقال أكثر أهل التأويل : هي محكمة ، واحتجوا بأن أسماء بنت أبي بكر سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل تصل أمها حين قدمت عليها مشركة ؟ قال : ( نعم ) خرجه البخاري ومسلم . وقيل : إن الآية فيها نزلت ، روى عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه : أن أبا بكر الصديق طلق امرأته قتيلة في الجاهلية ، وهي أم أسماء بنت أبي بكر ، فقدمت عليهم في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش ، فأهدت إلى أسماء بنت أبي بكر الصديق قرطا وأشياء ، فكرهت أن تقبل منها حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فأنزل الله تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } ، ذكر هذا الخبر الماوردي وغيره ، وخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده .

قوله تعالى : { أن تبروهم } " أن " في موضع خفض على البدل من { الذين } ، أي لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم . وهم خزاعة ، صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا ، فأمر ببرهم والوفاء لهم إلى أجلهم ، حكاه الفراء . { وتقسطوا إليهم } أي تعطوهم قسطا من أموالكم على وجه الصلة . وليس يريد به من العدل ، فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل ، قاله ابن العربي .

قال القاضي أبو بكر في كتاب الأحكام له : استدل به بعض من تعقد عليه الخناصر على وجوب نفقة الابن المسلم على أبيه الكافر . وهذه وهْلَة{[14902]} عظيمة ، إذ الإذن في الشيء أو ترك النهي عنه لا يدل على وجوبه ، وإنما يعطيك الإباحة خاصة . وقد بينا أن إسماعيل بن إسحاق القاضي دخل عليه ذمي فأكرمه ، فأخذ عليه الحاضرون في ذلك ، فتلا هذه الآية عليهم .


[14901]:راجع جـ 8 ص 136.
[14902]:وهل عن الشيء وفي الشيء ـ بالكسر ـ: إذا غلط فيه وسها.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (8)

{ لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( 8 ) } .

لا ينهاكم الله -أيها المؤمنون- عن الذين لم يقاتلوكم من الكفار بسبب الدين ، ولم يخرجوكم من دياركم أن تكرموهم بالخير ، وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم وبرِّكم بهم ، إن الله يحب الذين يعدلون في أقوالهم وأفعالهم .