{ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون( 38 )وما ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون( 39 )الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذالكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون( 40 ) }
والمسكين : المعدم الذي لا مال له أو له شيء لا يقوم بكفايته .
وابن السبيل : المسافر المحتاج على نفقة سفره .
يريدون وجه الله : يقصدونه بمعروفهم خالصا .
{ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون . }
أعط أيها النبي الكريم ومن تبعك من المؤمنين ، القرابة حقوقهم من الصلة والعطف عليهم ومساعدتهم وقد حكى عن أبي حنيفة أنه استدل بهذه الآية على وجوب النفقة على كل ذي رحم محرم .
والسورة مكية ، لكنها تحدثت عن وجوب الإنفاق على فئات من الفقراء والمحتاجين ثم فصلت الزكاة وحددت مصارفها في المدينة ، وقد بين القرآن أن المال مال الله وأن العبد مستخلف عن الله في هذا المال لذلك يجب أن يؤدي حقوق الله فيه ومن هذه الحقوق : الزكاة والصدقة وصلة الرحم ورعاية المسكين وابن السبيل وكفالة اليتيم وتمكين العاجز عن العمل من مهنة يتكسب منها .
قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم ، عندما نزل عليه الوحي لأول مرة : إنك لتصل الرحم وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الزمان والله لا يخزيك الله أبدا . xii
تلك هي أخلاق الإسلام في المؤاخاة والتكافل والتراحم والتعاون .
{ فآت ذا القربى حقه . . . . } أي من البر والصلة واستدل به أبو حنيفة- رحمه الله على وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب لأن فآت أمر للوجوب .
والظاهر من «الحق » أنه مالي وهو استدلال متين .
{ والمسكين } وهو الذي لا شيء له ينفق عليه أو له شيء لا يقوم بكفايته .
{ وابن السبيل } : أي السائل في الطريق والذي انقطع به الطريق فلا يستطيع مواصلة السفر .
وحقهما هو نصيبهما من الصدقة والمواساة . xiii
واختلف في هذه الآية فقيل : إنها منسوخة بآية المواريث وقيل : لا نسخ بل للقريب حق لازم في البر على كل حال وهو الصحيح وقال مجاهد وقتادة : صلة الرحم فرض من الله عز وجل حتى قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاج . أه .
{ ذلك خير للذين يريدون وجه الله . . . . } أي : هذه النفقة والرعاية والعطف والمواساة ، خير وفضل لمن أنفق عليهم وأعطاهم المال والرعاية ابتغاء ثواب الله وفضله ، أو أملا في النظر إليه يوم القيامة .
{ وأولئك هم المفلحون } الفائزون في الدنيا والآخرة .
وكون هذا الإعطاء خيرا لأنه سبب التكافل والتعاون بين المسلمين ، وفي التعاون والتكافل قوة وتوادد وتراحم وتآزر وتخلص من أمراض الفقر والتمزق والحقد والحسد .
{ 38 - 39 } { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ }
أي : فأعط القريب منك -على حسب قربه وحاجته- حقه الذي أوجبه الشارع أو حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والإكرام والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته . وكذلك [ آت ] المسكين الذي أسكنه الفقر والحاجة ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته من إطعامه وسقيه وكسوته .
{ وَابْنَ السَّبِيلِ } الغريب المنقطع به في غير بلده الذي في مظنة شدة الحاجة ، لأنه لا مال معه ولا كسب قد دبر نفسه به [ في ] سفره ، بخلاف الذي في بلده ، فإنه وإن لم يكن له مال ولكن لا بد -في الغالب- أن يكون في حرفة أو صناعة ونحوها تسد حاجته ، ولهذا جعل اللّه في الزكاة حصة للمسكين وابن السبيل . { ذَلِكَ } أي : إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل { خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ } بذلك العمل { وَجْه اللَّهِ } أي : خير غزير وثواب كثير لأنه من أفضل الأعمال الصالحة والنفع المتعدي الذي وافق محله المقرون به الإخلاص .
فإن لم يرد به وجه اللّه لم يكن خيرا لِلْمُعْطِي وإن كان خيرا ونفعا لِلْمُعْطي كما قال تعالى : { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } مفهومها أن هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما .
وقوله : { وَأُولَئِكَ } الذين عملوا هذه الأعمال وغيرها لوجه اللّه { هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الفائزون بثواب اللّه الناجون من عقابه .
ولما أفهم ذلك عدم الاكتراث {[53152]}بالدنيا لأن الاكتراث{[53153]} بها لا يزيدها ، والتهاون بها لا ينقصها ، فصار ذلك لا يفيد إلا تعجيل النكد بالكد والنصب ، وكان مما تقدم أن السيئة من أسباب المحق ، سبب عنه الإقبال على إنفاقها{[53154]} في حقوقها إعراضاً عنها وإيذاناً بإهانتها وإيقاناً بأن ذلك هو استبقاؤها واستثمارها واستنماؤها ، فقال خاصاً بالخطاب{[53155]} أعظم المتأهلين لتنفيذ{[53156]} أوامره لأن ذلك أوقع في نفوس الأتباع ، وأجدر بحسن القبول منهم والسماع : { فآت } يا خير الخلق ! { ذا القربى حقه } بادئاً به لأنه أحق الناس بالبر ، صلة{[53157]} للرحم وجوداً وكرماً { والمسكين } سواء كان ذا القربى أو لا { وابن السبيل } وهو المسافر كذلك ، والحق الذي ذكر لهما{[53158]} الظاهر أنه يراد به النفل لا الواجب ، لعدم ذكر بقية الأصناف ، ودخل الفقير{[53159]} من باب الأولى .
ولما أمر بالإيتاء{[53160]} ، رغب فيه فقال : { ذلك } أي الإيتاء العالي الرتبة { خير } ولما كان سبحانه أغنى الأغنياء فهو لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه لا رياء فيه{[53161]} ، قال معرفاً أن ذلك ليس قاصراً على من خص بالخطاب بل{[53162]} كل من تأسى به نالته بركته { للذين يريدون } بصيغة الجمع ، ولما كان الخروج عن المال في غاية الصعوبة{[53163]} ، رغب فيه بذكر الوجه الذي هو{[53164]} أشرف ما في الشيء المعبر به هنا عن الذات وبتكرير{[53165]} الاسم الأعظم المألوف لجميع الخلق فقال{[53166]} : { وجه الله } أي عظمة الملك الأعلى ، فيعرفون من حقه ما يتلاشى عندهم على كل{[53167]} ما سواه فيخلصون له { وأولئك } العالو الرتبة لغناهم عن كل فان { هم } خاصة { المفلحون* } أي{[53168]} الذين لا يشوف فلاحهم شيء من الخيبة ، وأما غيرهم فخائب ، أما{[53169]} إذا لم ينفق فواضح ، وأما من أنفق على وجه الرياء بالسمعة والرياء فإنه{[53170]} خسر ماله ، وأبقى عليه وباله ، وأما من أنفق على وجه الرياء الحقيقي فقد صرح به تعريفاً بعظيم فحشه صارفاً الخطاب{[53171]} عن المقام الشريف الذي كان مقبلاً عليه ، تعريفاً بتنزه{[53172]} جنابه عنه ، و{[53173]} بعد تلك الهمة العلية والسجايا الطاهرة النقية منه ، إلى جهة من يمكن ذلك منهم فقال :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.