تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (24)

{ قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين( 24 ) قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون( 25 ) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم( 26 ) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم( 27 ) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون( 28 ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( 29 ) قل لكم ميعاد يوم لا تستئخرون عنه ساعة ولا تستقدمون( 30 ) }

المفردات :

من يرزقكم : من السماوات بإنزال المطر ومن الأرض بإنبات النبات .

قل الله : فهذا هو جواب الفطرة .

وإنا أو إياكم : أحدنا على الهدى والآخر على الضلال فنراجع أنفسنا وهذا أبلغ من التصريح وفيه تلطف بالخصم يحمله على التفكير دون تكبر .

24

التفسير :

{ قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين }

تلفت الآية النظر على الحجج والأدلة على وحدة الألوهية فتقول للكافرين من أهل مكة من يرزقكم من السماء بالمطر والهواء وتسخير الشمس والقمر وسائر الأرزاق المادية والمعنوية ؟ ومن يرزقكم من الأرض بالنبات والسير في الأرض والأرزاق ؟ فإن ترددوا في الإجابة خوف الهزيمة العقلية فأجب أنت قائلا الله هو الرازق إذ ليس لهم من جواب سواه وقد صرحوا بهذا الجواب في قوله تعالى : { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقول الله فقل أفلا تتقون } . ( يونس : 31 ) .

{ وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } .

نحن نوحد الله وأنتم تعبدون الأصنام فنحن فريقان مختلفان فلابد أن يكون واحد منا على الهدى والحق والآخر في الضلال والباطل وهو طريق يراد به حمل الخصم على التفكير والتدبر دون أن نجيبه بالحقيقة ؟ أو نقول له أنت على الباطل لأنك تكفر بالله وتعبد الأصنام وهذا الأسلوب يقال له أسلوب المنصف وهو ألا ينكر المجادل لمن يجادله ما يغيظه أو يصير حفيظته رجاء هدايته إلى الحق .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (24)

24 - 27 } { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

يأمر تعالى ، نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، أن يقول لمن أشرك باللّه ويسأله عن حجة شركه : { مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فإنهم لا بد أن يقروا أنه اللّه ، ولئن لم يقروا ف { قُلِ اللَّهُ } فإنك لا تجد من يدفع هذا القول ، فإذا تبين أن اللّه وحده الذي يرزقكم من السماوات والأرض ، وينزل [ لكم ] المطر ، وينبت لكم النبات ، ويفجر لكم الأنهار ، ويطلع لكم من ثمار الأشجار ، وجعل لكم الحيوانات جميعها ، لنفعكم ورزقكم ، فلم تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا ، ولا يفيدكم نفعا ؟ .

وقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي : إحدى الطائفتين منا ومنكم ، على الهدى ، مستعلية عليه ، أو في ضلال مبين ، منغمرة فيه ، وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق ، واتضح له الصواب ، وجزم بالحق الذي هو عليه ، وبطلان ما عليه خصمه .

أي : قد شرحنا من الأدلة الواضحة عندنا وعندكم ، ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه ، من المحق منا ، ومن المبطل ، ومن المهتدي ومن الضال ؟ حتى إنه يصير التعيين بعد ذلك ، لا فائدة فيه ، فإنك{[736]}  إذا وازنت بين من يدعو إلى عبادة الخالق ، لسائر المخلوقات المتصرف فيها ، بجميع أنواع التصرفات ، المسدي جميع النعم ، الذي رزقهم وأوصل إليهم كل نعمة ، ودفع عنهم كل نقمة ، الذي له الحمد كله ، والملك كله ، وكل أحد من الملائكة فما دونهم ، خاضعون لهيبته ، متذللون لعظمته ، وكل الشفعاء تخافه ، لا يشفع أحد منهم عنده إلا بإذنه العلي الكبير ، في ذاته ، وأوصافه ، وأفعاله ، الذي له كل كمال ، وكل جلال ، وكل جمال ، وكل حمد وثناء ومجد ، يدعو إلى التقرب لمن هذا شأنه ، وإخلاص العمل له ، وينهى عن عبادة من سواه ، وبين من يتقرب إلى أوثان ، وأصنام ، وقبور ، لا تخلق ، ولا ترزق ، ولا تملك لأنفسها ، ولا لمن عبدها ، نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا ، بل هي جمادات ، لا تعقل ، ولا تسمع دعاء عابديها ، ولو سمعته ما استجابت لهم ، ويوم القيامة يكفرون بشركهم ، ويتبرأون منهم ، ويتلاعنون بينهم ، ليس لهم قسط من الملك ، ولا شركة فيه ، ولا إعانة فيه ، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون اللّه ، فهو يدعو مَنْ هذا وصفه ، ويتقرب إليه مهما أمكنه ، ويعادي من أخلص الدين للّه ، ويحاربه ، ويكذب رسل اللّه ، الذين جاءوا بالإخلاص للّه وحده ، تبين{[737]}  لك أي الفريقين ، المهتدي من الضال ، والشقي من السعيد ؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك ، لأن وصف الحال ، أوضح من لسان المقال .


[736]:- ورد في الهامش هنا: فعل الشرط.
[737]:- ورد في الهامش هنا: جواب الشرط.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (24)

قوله تعالى : " قل من يرزقكم من السماوات والأرض " لما ذكر أن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة مما يقدر عليه الرب قرر ذلك فقال : قل يا محمد للمشركين " من يرزقكم من السموات والأرض " أي من يخلق لكم هذه الأرزاق الكائنة من السموات ، أي عن المطر والشمس والقمر والنجوم وما فيها من المنافع . " والأرض " أي الخارجة من الأرض عن الماء والنبات أي لا يمكنهم أن يقولوا هذا فعل آلهتنا - فيقولون لا ندري ، فقل إن الله يفعل ذلك الذي يعلم ما في نفوسكم وإن قالوا : إن الله يرزقنا فقد تقررت الحجة بأنه الذي ينبغي أن يعبد . " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " هذا على وجه الإنصاف في الحجة ، كما يقول القائل : أحدنا كاذب ، وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب . والمعنى : ما نحن وأنتم على أمر واحد ، بل على أمرين متضادين ، وأحد الفريقين مهتد وهو نحن والآخر ضال وهو أنتم ، فكذبهم بأحسن من تصريح التكذيب ، والمعنى : أنتم الضالون حين أشركتم بالذي يرزقكم من السموات والأرض . " أو إياكم " معطوف على اسم " إن " ولو عطف على الموضع لكان " أو أنتم " ويكون " لعلى هدى " للأول لا غير وإذا قلت : " أو إياكم " كان للثاني أولى ، وحذفت من الأول أن يكون للأول ، وهو اختيار المبرد ، قال : ومعناه معنى قول المستبصر لصاحبه على صحة الوعيد والاستظهار بالحجة الواضحة : أحدنا كاذب ، قد عرف المعنى ، كما تقول : أنا أفعل كذا وتفعل أنت كذا وأحدنا مخطئ ، وقد عرف أنه هو المخطئ ، فهكذا " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " . و " أو " عند البصريين على بابها وليست للشك ، ولكنها على ما تستعمل العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى . وقال أبو عبيدة والفراء : هي بمعنى الواو ، وتقديره : وإنا على هدى وإياكم لفي ضلال مبين . وقال جرير :

أثعلبةَ الفوارس أو رياحا *** عدَلْتَ بهم طُهَيَّةَ والرَّبابا{[13045]}

يعني أثعلبة ورياحا وقال آخر :

فلما اشتد أمر الحرب فينا *** تأمّلنا رياحا أو رِزاما


[13045]:رواية الديوان وكتاب سيبويه: "والخشابا".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (24)

ولما سلب{[56828]} عن شركائهم أن يملكوا شيئاً من الأكوان ، وأثبت{[56829]} جميع الملك له وحده ، أمره صلى الله عليه وسلم بأن يقررهم بما يلزم منه ذلك فقال : { قل من يرزقكم } ولما كان كل شيء من الرزق متوقفاً على الكونين ، وكان في معرض الامتنان والتوبيخ جمع لئلا يدعي أن لشيء من العالم العلوي مدبراً غيره سبحانه فقال : { من السماوات } وقال : { والأرض } بالإفراد لأنهم لا يعلمون غيرها .

ولما كان من المعلوم أنهم مقرّون بأن ذلك لله وحده كما تقدم التصريح به غير مرة ، {[56830]}وكان{[56831]} من المحقق أن إقرارهم بذلك ملزم لهم{[56832]} الإخلاص في العبادة عند كل من له أدنى مسكة من عقله ، أشار إلى ذلك بالإشارة{[56833]} بأمره صلى الله عليه وسلم بالإجابة إلى أنهم كالمنكرين لهذا ، لأن إقرارهم به لم ينفعهم فقال : { قل الله } أي الملك الأعلى{[56834]} وحده ، وأمره بعد إقامة{[56835]} هذا الدليل البين{[56836]} بأن يتبعه{[56837]} ما هو أشد عليهم من وقع النبل بطريق لا أنصف منه ، ولا يستطيع أحد أن يصوب إليه نوع طعن بأن يقول مؤكداً تنبيهاً على وجوب إنعام النظر في تمييز المحق من المبطل بالانخلاع من الهوى ، فإن الأمر في غاية الخطر : { وإنا } أي أهل التوحيد في العبادة لمن تفرد بالرزق{[56838]} { أو إياكم } أي{[56839]} أهل الإشراك به من لا يملك شيئاً من الأشياء و " أو " على بابها لا بمعنى الواو ، أي إن أحد فريقينا{[56840]} على إحدى الحالتين مبهمة{[56841]} غير معينة فهو على خطر عظيم لكونه في شك من أمره غير مقطوع له بالهدى ، فانظروا بعقولكم في تعيينه هل هو الذي عرف الحق{[56842]} لأهله أو{[56843]} الذي بذل الحق لغير أهله ، قال ابن الجوزي : وهذا كما تقول للرجل تكذبه : والله إن أحدنا لكاذب ، وأنت تعنيه تكذيباً غير مكشوف{[56844]} ويقول الرجل : والله لقد قدم فلان ، فيقول له من يعلم كذبه : قل إن شاء الله ، فيكذبه بأحسن من تصريح التكذيب ، يعني ولا سيما بعد إقامة الدليل على المراد ثم مثل المهتدين بمن هو على متن جواد يوجهه حيث شاء من الجواد بقوله : { لعلى هدى } أي في متابعة ما ينبغي أن يعمل مستعلين عليه ناظرين لكل ما يمكن أن يعرض فيه مما قد يجر إلى ضلال فتنكبه{[56845]} { أو في ضلال } أي{[56846]} عن الحق في الاعتقاد المناسب فيه منغمسين فيه وهو محيط بالمبتلى به لا يتمكن معه من وجه صواب : { مبين * } أي واضح في نفسه داع لكل أحد إلى معرفة أنه ضلال إلا من كان منغمساً فيه مظروفاً له ، فإنه لا يحس بنفسه وما بينه وبين أن يستبصر إلا أن يخرج منه وقتاً ما فيعلم أنه كان في حاله ذلك فاعلاً ما لا يفعله من له نوع من العقل ، ففي هذا حث على النظر الذي كانوا يأبونه بقوله : قلوبنا في أكنة }[ فصلت : 5 ] ونحوه في{[56847]} الأدلة التي يتميز بها الحق من الباطل على أحسن وجه بأنصف دعاء وألطف نداء حيث{[56848]} شرك الداعي نفسه معهم فيما دعاهم إلى النظر فيه ، فالمعنى أنه يتعين على كل منا - إذا كان على إحدى{[56849]} الطريقين مبهمة - أن ينظر في أمره{[56850]} ليسلم فإن الأمر في غاية الوضوح مع{[56851]} أن الضال في نهاية الخطر ، ولقد كان الفضلاء من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وذوو{[56852]} الأحلام والنهى منهم يقولون ذلك بعد{[56853]} الإسلام كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وناهيك بهما جلالاً ، ونباهة وذكاء وكمالاً ، قالوا : والله كنا نعجب غاية العجب ممن يدخل في الإسلام واليوم نحن{[56854]} نعجب غاية العجب ممن يتوقف عنه{[56855]} .


[56828]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: سبب.
[56829]:في ظ: اتبع.
[56830]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فكان.
[56831]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فكان.
[56832]:من م ومد، وفي الأصل وظ: له.
[56833]:زيد من ظ وم ومد.
[56834]:زيد من ظ ومد.
[56835]:زيد من ظ وم ومد.
[56836]:زيد من ظ وم ومد.
[56837]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بتبع.
[56838]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: في الرزق.
[56839]:سقط من ظ وم ومد.
[56840]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: و ـ كذا.
[56841]:من م ومد، وفي الأصل وظ: مهمة.
[56842]:زيد من ظ وم ومد.
[56843]:زيد في الأصل: هو، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56844]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مكشوفا.
[56845]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فتنتكبه.
[56846]:زيد من ظ وم ومد.
[56847]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[56848]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: حتى.
[56849]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: أحد.
[56850]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: نفسه.
[56851]:سقط من ظ.
[56852]:من م ومد، وفي الأصل وظ: ذو.
[56853]:زيد في الأصل: هذا، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56854]:زيد من م ومد.
[56855]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فيه.