تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

1

المفردات :

إن تتوبا : حفصة وعائشة .

صغت قلوبكما : مالت قلوبكما عن الحق ، وعدلت عما يجب للرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيم وإجلال .

وإن تظاهرا عليه : تتظاهرا وتتعاونا على إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيم وإجلال .

مولاه : وليه وناصره .

ظهير : ظهراء معانون ، وأنصار مساعدون .

التفسير :

4- { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }

تأتي هذه الآية لتوجيه عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، إلى التوبة النصوح والتفرغ إلى ذكر الله وطاعته .

وقد جرت العادة بأنّ الشئون المنزلية تشغل بال الرجال وتضيّع زمنا من تفكيرهم فيها .

وتبين الآية أن قلبي عائشة وحفصة قد انشغلا بتدبير مؤامرة ، يترتب عليها أن يزهد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض نسائه ، والنبي الكريم يربي أمة ، ويوجّه دعوة ، وينزل عليه الوحي ، ويبلّغ الوحي للناس ، ويقود الجيوش ، ويرسل السرايا ، وينظم شئون الأمة الإسلامية صباح مساء ، فينبغي أن يتوفّر له القدر الكافي من الهدوء النفسي والمعنوي .

لذلك حمل القرآن حملة قوية على عائشة وحفصة ، وذكّرهما أن قلوبهما قد مالت عن الانشغال بطاعة الله إلى عمل مؤامرة لتزهيد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض نسائه .

ومعنى الآية :

إن تتوبا إلى الله تعالى مما بدر منكما ، فذلك حق واجب ، وخير كبير ، لأن قلوبكما قد انصرفت عن الإخلاص والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحب ما يحبه ، وكراهة ما يكرهه ، إلى تدبير مؤامرة منكما ليكره بعض نسائه

وإن تتعاونا على النبي صلى الله عليه وسلم بما يسوءه ، من الوقيعة بين بنيه وبين بعض نسائه ، فإن تعاونكما وتظاهركما عليه فاشل ضائع ، لأن هناك قوة عليا ، وجيوشا متعاونة ، تؤازر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتشد أزره .

فإن الله . مولاه وناصره ، وكفى به وليا ونصيرا .

وجبريل . كذلك وليه وناصره .

وصالح المؤمنين . وأبو بكر وعمر ، والصالحون من المؤمنين نصراء له .

والملائكة بعد ذلك ظهيرا . والملائكة هم أعظم المخلوقات ، بمثابة جيش جرار ، يملأ القفار ، نُصْرة للنبي المختار ، فمن ذا الذي يستطيع أن يناوئ النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، والآية مسوقة لتعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيان منزلته العالية ، وأن الدنيا كلها تسانده ، وأيضا للتأثير العاطفي على نسائه ، حتى يَكففن عن التآمر عليه ، وحتى يتفرغ كليا لأمر دعوة الإسلام .

وقد كان يكفي أن يقال : فإن الله هو مولاه . ومن وجد الله وجد كل شيء ، ومن فقد الله فقد كل شيء ، لكن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يبين أن الكون كله معه ، فخالق الكون معه ، والكون كله معه .

وقد ثبت في الصحيح ما يفيد أن هذا الأمر شغل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعتزل نساءه شهرا ، وأنّ ذلك شق على المسلمين ، وحزنوا لغضب النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه .

ودخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله ، ما يشقّ عليك من شأن النساء ؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل ، وأبو بكر وعمر معك ، فنزلت هذه الآية موافقة لقول عمر رضي الله عنه .

والخلاصة :

إذا تظاهرتما عليه فلن يضرّه ، لأن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ، والملائكة بعد ذلك ظهير .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا إلى الله } يعني عائشة وحفصة { فقد صغت قلوبكما } عدلت وزاغت عن الحق وذلك أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته { وإن تظاهرا عليه } تتعاونا على أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم { فإن الله هو مولاه } وليه وحافظه فلا يضره تظاهركما عليه وقوله { وصالح المؤمنين } قيل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم { والملائكة بعد ذلك ظهير } أي الملائكة بعد هؤلاء أعوان

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

ولما عرف من هذا أن المعاتب المنبئة ومن نباته ، وكان قد يكون عدداً{[66377]} أشار إلى أنه واحد فالمعاتب اثنتان ، وكانتا قد اتسعت قلوبهما لما يأتي من قبل الله من الرغائب بهذا العتاب على هذا الأمر الخفي جداً والكرم عليهما فيه بعدم الاستقصاء فمالت قلوبهما إلى المعالي وغاصت على جليل المعارف فصاغت من جواهر ذلك دقيق المعاني ، لفت إليهما الخطاب بلطيف العباد{[66378]} لشريف المتاب ، فقال تشريفاً آخر له صلى الله عليه وسلم بالإقبال على نسائه رضي الله تعالى عنهن بالعتاب لأجله قياماً عنه بما ربما أزعجه لو باشره حفظاً لخاطره الشريف مما قد يغره { إن تتوبا } أي يا عائشة ويا حفصة مما صنعته حفصة بالإفشاء وعائشة بالاحتيال على المنع من شرب العسل والتحليف على مارية { إلى الله } أي الملك الذي أحاط علمه فجلت قدرته ولطف بهما لأجله صلى الله عليه وسلم غاية اللطف في قوله : { فقد صغت } أي مالت وغاضت بما صاغت { قلوبكما } وفي جمع{[66379]} القلوب جمع كثرة تأكيد{[66380]} لما فهمته من ميل القلب بكثرة المعارف بما أفادهما إظهار هذا السر والعتاب عليه من الحياء ، فصارتا جديرتين بالمبادرة إلى التوبة متأهلتين لذلك غاية التأهل .

ولما أورد ما صارتا حقيقيتين{[66381]} به بأداة الشك إقامة للسامع بين الخوف والرجاء من ذلك وهو أعلم مما يكون أكمل ذلك بذكر شق الخوف ، فقال معلماً بأن{[66382]} الملك وأوليائه أنصار{[66383]} له { وإن تظاهرا } بالتشديد للإدغام في قراءة الجماعة لأن التظهر{[66384]} هنا إن وقع كان على وجه الخفاء في أعمال{[66385]} الحيلة في أمر مارية رضي الله عنها والعسل وما يأتي من مثل ذلك ما يبعث عليه الغيرة { عليه } أي النبي صلى الله عليه وسلم المنبأ من قبل الله {[66386]}بما يرفع قدره ويعلي ذكره ، وقراءة الكوفيين بالتخفيف بإسقاط إحدى التاءين إشارة إلى سهولة أمر هذه المظاهرة وقلة أذاها له صلى الله عليه وسلم .

ولما كان المعنى كأنه لا يبالي بمظاهرة كما عبر عنه بعلته ، فقال مؤكداً إعلاماً بأن حال المتظاهرين عليه حال المنكر لمضمون الكلام : { فإن الله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له { هو } أي بنفسه الأقدس وحضرة غيب غيبه التي لا يقوم لما لها من العظمة شيء { مولاه } أي ناصره والمتولي من أمره ما يتولاه القريب الصديق القادر{[66387]} وكل من له وعي يعلم كفايته سبحانه في ذلك فهو يعمل {[66388]}أبلغ ما يعمله{[66389]} مولى مع من{[66390]} هو متول لأمره{[66391]} وفي معاونته{[66392]} لنبيه صلى الله عليه وسلم إظهار لشرفه ومراعاة {[66393]}لحفظ خاطره{[66394]} وشرح{[66395]} لصدره .

ولما كانت النفوس لمبنى هذه الدار على حكمة الأسباب مؤكلة{[66396]} بها ناظرة أتم نظر إليها ، وكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة ما يتلى في بيوتهن{[66397]} من آيات الله والحكمة على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام وكثرة تردده إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيوتهن ويعلمهن قد صار عندهن بذلك من الأسباب الظاهرة المألوفة ، وكان هو أعظم أنصار النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وجبريل } لأنه من أعظم الأسباب التي يقيمها الله سبحانه .

ولما كان الحامل على مظاهرته صلى الله عليه وسلم على كل{[66398]} ما يريده الإيمان فكل{[66399]} ما كان الإنسان فيه أمكن كان{[66400]} له أشد مظاهرة وأعون قال : { وصالح المؤمنين } أي الراسخين في رتبة الإيمان والصلاح من الإنس والجن وأبواهما رضي الله عنهما أعظم مراد بهذا ، وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أمرتني لأضربن عنقها ، والصالح وإن كان لفظه مفرداً فمعناه الجمع المستغرق لأنه للجنس ، ودل على ذلك مع دلالة السياق إضافته للجمع ولعله عبر بالإفراد مع أن هذا المراد للإشارة إلى قلة المتصف بهذا{[66401]} جداً لقلة الراسخين في الإيمان وقلة الراسخين في الصلاح من الراسخين في الإيمان فهو قليل من قليل وقد{[66402]} جوز بعضهم أن يكون جمعاً وأنه حذفت واؤه في الرسم على خلاف القياس وهي محذوفة{[66403]} في الوصل لالتقاء{[66404]} الساكنين ، فظن لذلك مفرداً ودخل{[66405]} في ذلك جبريل عليه السلام أيضاً .

ولما كان الله سبحانه وتعالى قد أعطى الملائكة من القوى والتصرف في الظواهر . والبواطن ما يجل عن الوصف ، قال تعظيماً للمقام بعد تعظيمه بما ذكر من رئيس الكروبيين عليهم الصلاة والسلام { والملائكة } أي كلهم ومنهم جبريل عليهم الصلاة والسلام فهو مذكور خصوصاً وعموماً ثلاث مرات إظهاراً لشدة محبته وموالاته للنبي صلى الله عليه وسلم . ولما كان المراد التعميم في الزمان والمكان بعد التعميم في الصالحين من الملائكة والإنس والجان ، قال من غير جار معظماً لنصرة الملائكة لما لهم من العظمة في القلوب لما تقرر لمن باشر منهم العذاب تارة بالرجفة وأخرى بالصعقة{[66406]} وتارة بالخسف وأخرى بغير ذلك ، فكيف إذا تصور الآدمي المقيد بالمحسوسات اجتماعهم على ما لهم من الأشكال المهولة { بعد ذلك } أي الأمر العظيم الذي تقدم{[66407]} ذكره وهو مظاهرة الله ومن ذكر معه { ظهير * } أخبر عن الجمع باسم الجنس إشارة إلى أنهم على كلمة واحدة في المظاهرة ، فخوف بهذا{[66408]} كله لأجل المتاب لطفاً به صلى الله عليه وسلم وإظهاراً لعظمته وفي قصة صاحب ياسين قال { وما أنزلنا على قومه } الآية ، تحقيراً لقومه وإهانة لهم ، ويجوز أن يكون{[66409]} " ظهير " خبر جبريل عليه الصلاة والسلام ، وخبر ما بعده محذوف لدلالته عليه أي كذلك .


[66377]:- من ظ وم، وفي الأصل: عدوا.
[66378]:- زيد من ظ وم.
[66379]:- من ظ وم، وفي الأصل: جميع.
[66380]:- في م: تأييد.
[66381]:- من ظ وم، وفي الأصل: حقيقين.
[66382]:- في م: إن.
[66383]:- من ظ وم، وفي الأصل: أنصارا.
[66384]:- من م، وفي الأصل وظ: التظاهر.
[66385]:- من و م، وفي الأصل وظ: الأعمال.
[66386]:- في م: إن.
[66387]:- من ظ وم، وفي الأصل: الصادق.
[66388]:- من ظ وم، وفي الأصل: يعلم.
[66389]:- من ظ وم، وفي الأصل: يعلمه.
[66390]:- من ظ وم، وفي الأصل: ما.
[66391]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمره.
[66392]:- من ظ وم، وفي الأصل: معاتبته.
[66393]:- من ظ وم وفي الأصل: لخاطره.
[66394]:- من ظ وم وفي الأصل: لخاطره.
[66395]:- من ظ وم، وفي الأصل: شرحا.
[66396]:- من ظ وم، وفي الأصل: هو كلمة.
[66397]:- زيد في الأصل: ويعلمهن ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66398]:- زيد من ظ وم.
[66399]:- زيد من ظ وم.
[66400]:- زيد من ظ وم.
[66401]:- من ظ وم، وفي الأصل: بمنا.
[66402]:- زيد من ظ وم.
[66403]:- من ظ وم، وفي الأصل: للوصل عند التقاء.
[66404]:- من ظ وم، وفي الأصل: للوصل عند التقاء.
[66405]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذلك.
[66406]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالصعق.
[66407]:- زيد من ظ وم.
[66408]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
[66409]:- زيد في الأصل: لهم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير }

{ إن تتوبا } أي حفصة وعائشة { إلى الله فقد صغت قلوبكما } مالت إلى تحريم مارية ، أي سركما ذلك مع كراهة النبي صلى الله عليه وسلم له وذلك ذنب ، وجواب الشرط محذوف أي تقبلا ، وأطلق قلوب على قلبين ولم يعبر به لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة { وإن تظَّاهرا } بإدغام التاء الثانية في الأصل في الظاء ، وفي قراءة بدونها تتعاونا { عليه } أي النبي فيما يكرهه { فإن الله هو } فصل { مولاه } ناصره { وجبريل وصالح المؤمنين } أبو بكر وعمر رضي الله عنهما معطوف على محل اسم إن فيكونون ناصريه { والملائكة بعد ذلك } بعد نصر الله والمذكورين { ظهير } ظهراء أعوان له في نصره عليكما .