تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة العصر

أهداف سورة العصر

( سورة العصر مكية ، وآياتها 3 آيات ، نزلت بعد سورة الشرح )

( وفي هذه السورة الصغيرة يتمثل منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها الله ، وتبرز معالم التصور الإيماني بحقيقته الكبيرة الشاملة في أوضح وأدق صورة .

إنها تضع الدستور الإسلامي كله في كلمات قصار ، وتصف الأمة المسلمة : حقيقتها ووظيفتها في آية واحدة ، هي الآية الثالثة من السورة . . وهذا هو الإعجاز الذي لا يقدر عليه إلا الله .

والحقيقة الضخمة التي تقررها هذه السورة بمجموعها هي : أنه على امتداد الزمان في جميع العصور ، وامتداد الإنسان في جميع الدهور ، ليس هنالك إلا منهج واحد رابح ، وطريق واحد ناج هو ذلك المنهج الذي ترسم السورة حدوده وتوضح معالمه )i .

إن العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان ، وبذلك يصبح قوة دافعة ، وحركة وعملا ، وبناء وتعميرا يتجه إلى الله .

أما التواصي بالحق والصبر فيبرز صورة الأمة المسلمة متضامنة متضامّة ، خيّره واعية ، قائمة على حراسة الحق والخير ، متواصية بالحق والصبر في مودة وتعاون وتآخ .

مع آيات السورة

1 ، 2- والعصر* إنّ الإنسان لفي خسر . أقسم الله بالزمن وهو ماض لا يقف ، متغير لا يقرّ ، على أن الإنسان الذي يهمل إيمانه ومرضاة ربه خاسر مهما كان رابحا من مظاهر الحياة ، لأنه قد خسر الجنة وخسر الكمال المقدر له فيهما ، وخسر مرضاة الله وطاعته .

3- إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالصبر .

المؤمن يدرك أنه جسم وروح ، وهو ذو قلب وعقل ، وذو عواطف وجوارح ، وسعادته في نمو هذه القوى نموّا متناسقا ، وفي دور الخلافة الرشيدة للمسلمين تعاونت قوة الروح والأخلاق والدين والعلم والأدوات المالية ، في تنشئة الإنسان الكامل وفي ظهور المدينة الصالحة .

وكانت حكومة المسلمين من أكبر حكومات العالم قوة وسياسة وسيادة ، وتزدهر فيها الأخلاق والفضيلة مع التجارة والصناعة ، ويساير الرقى الروحي التقدم المادي والحضاري .

وخلاصة السورة أن الناس جميعا في خسران إلا من اتصفوا بأربعة أشياء :

الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر .

( وهذه السورة حاسمة في تحديد الطريق . . إنه الخسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .

طريق واحد لا يتعدد ، طريق الإيمان والعمل الصالح ، وقيام الجماعة المسلمة التي تتواصى بالحق وتتواصى بالصبر ، وتقوم متضامنة على حراسة الحق ، مزودة بزاد الصبر .

إنه طريق واحد ، ومن ثم كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة ( العصر ) ثم يسلم أحدهما على الآخرii .

لقد كانا يتعاهدان على الإيمان والعمل الصالح ، والتناصح بالحق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر والتحمل في سبيل الدعوة إلى الهدى والرشاد .

مقاصد السورة

1- جنس الإنسان في خسر وضياع .

2- النجاة لمن آمن وعمل صالحا ، وحثّ على الفضيلة والحق ، وتحلى بالثبات والصبر .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والعصر 1 إنّ الإنسان لفي خسر 2 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر 3 }

المفردات :

العصر : اسم للدهر ، أي : الزمن الذي يحياه الإنسان ، وقيل : أقسم الله بصلاة العصر لفضلها ، أو أقسم بالعشي كما أقسم بالضحى .

التفسير :

1 ، 2- والعصر* إنّ الإنسان لفي خسر .

أقسم الله تعالى بالعصر ، وهو الزمان والدهر ، وفيه الأيام والليالي والصباح والمساء ، والليل والنهار ، وفي الزمان نجد يد الله تقلّب الأمور ، فهو سبحانه يعزّ ويذل ، ويرفع ويضع ، ويعلى ويخفض ، وفي الزمان تبدّل الأحداث والدول ، والأحوال والمصالح .

وقيل : أقسم الله بصلاة العصر وتنبيها لأهميتها وفضلها ، حيث في أواخر النهار .

وقيل : يطلق العصر على وقت العشيّ ، وفيه الغروب والشفق ، كما أقسم سبحانه بالضحى .

ورجّح الطبري الرأي الأول ، فالحق سبحانه يريد أن ينبّه الإنسان إلى أهمية الزمان ، والصباح والمساء ، وكان أهل الجاهلية ينسبون الأحداث إلى الدهر ، فيقولون : زمان جائر أو دهر ظالم ، مع أن الذي يرفع ويضع ، ويعطي ويمنع ، هو الله تعالى وليس الدهر .

أخرج الإمام مسلم في صحيحه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تسبّوا الدهر ، فإن الله هو الدهر )iii .

أي أن الله هو الذي يقلّب الليل على النهار ، والنهار على الليل ، وهو الذي يعزّ ويذل .

قال تعالى : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير . ( آل عمران : 26 ) .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية . وقال قتادة : مدنية ، وروي عن ابن عباس ، وهي ثلاث آيات .

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " والعصر " أي الدهر ، قاله ابن عباس وغيره . فالعصر مثل الدهر ، ومنه قول الشاعر :

سبيلُ الهَوَى وعْرٌ وبحرُ الهَوَى غَمْرُ*** ويومُ الهَوَى شهرٌ وشهرُ الهوى دَهْرُ

أي عصر أقسم الله به عز وجل ؛ لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها ، وما فيها من الدلالة على الصانع . وقيل : العصر : الليل والنهار . قال حميد بن ثور :

ولن يَلْبَثَ العصران : يومٌ وليلةٌ *** إذا طَلَبَا أن يُدرِكَا ما تَيَمَّمَا

والعصران أيضا : الغداة والعشي . قال :

وأمْطُلَهُ العَصْرَيْن حتى يَمَلَّنِي *** ويرضى بنصفِ الدَّيْنِ والأنفُ رَاغِمُ

يقول : إذا جاءني أول النهار ووعدته آخره . وقيل : إنه العشي ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها . قاله الحسن وقتادة . ومنه قول الشاعر :

تَرَوَّحْ بِنَا يا عَمْرُو قد قَصُرَ العَصْرُ*** وفي الروحة الأولى الغنيمةُ والأجرُ

وعن قتادة أيضا : هو آخر ساعة من ساعات النهار . وقيل : هو قسم بصلاة العصر ، وهي الوسطى ؛ لأنها أفضل الصلوات ، قاله مقاتل . يقال : أذن للعصر ، أي لصلاة العصر . وصليت العصر ، أي صلاة العصر . وفي الخبر الصحيح " الصلاة الوسطى صلاة العصر " . وقد مضى في سورة " البقرة " {[16356]} بيانه .

وقيل : هو قسم بعصر النبي صلى الله عليه وسلم ، لفضله بتجديد النبوة فيه . وقيل : معناه ورب العصر .

الثانية : قال مالك : من حلف ألا يكلم رجلا عصرا لم يكلمه سنة . قال ابن العربي : إنما حمل مالك يمين الحالف ألا يكلم امرأ عصرا على السنة ؛ لأنه أكثر ما قيل فيه ، وذلك على أصله في تغليظ المعنى في الأيمان . وقال الشافعي : يبر بساعة ، إلا أن تكون له نية ، وبه أقول ، إلا أن يكون الحالف عربيا ، فيقال له : ما أردت ؟ فإذا فسره بما يحتمله قبل منه ، إلا أن يكون الأقل ، ويجيء على مذهب مالك أن يحمل على ما يفسر . والله أعلم .


[16356]:راجع جـ 3 ص 210.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية ، وآياتها ثلاث .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والعصر 1 إن الإنسان لفي خسر 2 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } .

هذه السورة القصيرة في آياتها ، القليلة في كلماتها ، مثال على روعة القرآن وكمال معناه . لا جرم أن هذه السورة بعظيم اتساقها وترابطها ، وقوة مبناها ، وفخامة ألفاظها وحروفها ، وحلاوة نظمها ، وما هي عليه من سمو المعنى وجليل المقصود ، لهي برهان ساطع يكشف عن حقيقة هذا الكتاب الحكيم ، وأنه المعجز الفذ الذي لا يضاهى ولا يعارض .

لقد ذكر أن عمرو بن العاص- وكان مشركا - وفد على مسيلمة الكذاب بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن يسلم عمرو ، فقال له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة ؟ فقال : لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة . فقال : وما هي ؟ فقال : { والعصر 1 إن الإنسان لفي خسر 2 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال : وقد أنزل علي مثلها ، فقال له عمرو : وما هو ؟ فقال : يا وبر . إنما أنت أذنان وصدر . وسترك حفر نقر . ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب . والوبر ، دويبة تشبه الهرّ أعظم شيء فيه أذناه ، وصدره .

ذلك من هذيان هذا الكاذب الأفّاك مسيلمة ، يريد به معارضة القرآن الكريم في كمال نظمه ، وجمال أسلوبه ، وسمو معناه ، وإشراق كلماته وحروفه ، لكن تخريصه المصطنع لم يرج على عمرو بن العاص إبان شركه وعبادته الأوثان في ذلك الزمان .

قوله : { والعصر } يقسم الله بالعصر ، وهو الدهر ، أو الزمان بأيامه ولياليه ، وما يجري خلاله من مختلف التصرفات والأحوال ، وتبدل الظروف والأحداث ، وفي ذلك من الدلالة على قدرة الصانع ما لا يخفى . وقيل : المراد بالعصر صلاة العصر .