10- { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
أي : إن الشيطان هو الذي يحرض المنافقين واليهود على التناجي بالسوء والعدوان ، وإيذاء المسلمين وإيهامهم أن سوءا قد أصاب أقاربهم ، هذه حيل الشيطان في تحريض أتباعه ، ليفعلوا أشياء تصيب أحد المسلمين بالحزن ، أو الرعب أو الخوف ، مع أن عقيدتنا في القضاء والقدر تفيد أن أحدا لا يضر أو ينفع إلا بإذن الله ومشيئته وإرادته ، وعلى الله وحده فليتوكل وليعتمد وليثق المؤمنون ، ولا يبالوا بنجوى المنافقين ، فإن الله يعصمهم من شرهم وكيدهم .
أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ، فإذ ذلك يحزنه " xi
أخرج البخاري ، ومسلم ، وأحمد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، ويقول له : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أن قد هلك ، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون ، فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين " xii .
الأولى- قوله تعالى : { إنما النجوى من الشيطان } أي من تزيين الشياطين{ ليحزن الذين آمنوا }إذا توهموا أن المسلمين أصيبوا في السرايا ، أو إذا أجروا{[14775]} اجتماعهم على مكايدة المسلمين ، وربما كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي صلى الله عليه وسلم { وليس بضارهم شيئا } أي التناجي { إلا بإذن الله } أي بمشيئته وقيل : بعلمه . وعن ابن عباس : بأمره . { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي يكلون أمرهم إليه ، ويفوضون جميع شؤونهم إلى عونه ، ويستعيذون به من الشيطان ومن كل شر ، فهو الذي سلط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانا ولو شاء لصرفه عنه .
الثانية- في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد ) . وعن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه ) فبين في هذا الحديث غاية المنع ، وهي أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر ، ذلك أنه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعا ، فقال له وللأول : تأخرا وناجى الرجل الطالب للمناجاة . خرجه الموطأ . وفيه أيضا التنبيه على التعليل بقوله : ( من أجل أن يحزنه ) أي يقع في نفسه ما يحزن لأجله . وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره ، أو أنه لم يروه أهلا ليشركوه في حديثهم ، إلى غير ذلك من أُلْقِيَات الشيطان وأحاديث النفس . وحصل ذلك كله من بقائه وحده ، فإذا كان معه غيره أمن ذلك ، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد ، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلا ، لوجود ذلك المعنى في حقه ، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع ، فيكون بالمنع أولى . وإنما خص الثلاثة بالذكر ؛ لأنه أول عدد يتأتى ذلك المعنى فيه . وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال ، وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور . وسواء أكان التناجي في مندوب أو مباح أو واجب فإن الحزن يقع به . وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام ؛ لأن ذلك كان في حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين ، فلما فشا الإسلام سقط ذلك . وقال بعضهم : ذلك خاص بالسفر في المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه ، فأما في الحضر وبين العمارة فلا ، فإنه يجد من يعينه ، بخلاف السفر فإنه مظنة الاغتيال وعدم المغيث{[14776]} . والله أعلم .
ولما شدد سبحانه في {[63300]}أمر النجوى{[63301]} وكان لا يفعلها إلا أهل النفاق ، فكان ربما ظن ظان أنه يحدث عنها ضرر لأهل الدين ، قال ساراً للمخلصين و{[63302]}غاماً للمنافقين ومبيناً أن ضررها إنما يعود عليهم : { إنما النجوى } أي المعهودة وهي المنهي عنها ، وهي ما كره{[63303]} صاحبه أن يطلع{[63304]} عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : ما خيله الشيطان من الأحكام المكروهة للإنسان { من الشيطان } أي مبتدئة{[63305]} من المحترق بطرده عن رحمة الله تعالى فإنه الحامل عليها بتزيينها ففاعلها تابع لأعدى أعدائه مخالفة لأوليائه .
ولما بين أنها منه ، بين الحامل له على تزيينها فقال : { ليحزن } أي الشيطان{[63306]} ليوقع الحزن في قلوب{[63307]} { الذين آمنوا } أي يتوهمهم أنهم بسبب شيء وقع مما يؤذيهم ، والحزن : هم غليظ وتوجع يرق له القلب ، حزنه وأحزنه بمعنى ، وقال في القاموس : أو أحزنه : جعله حزيناً ، وحزنه : جعل فيه حزناً .
فعلى هذا قراءة نافع{[63308]} من أحزن أشد في المعنى من قراءة الجماعة .
ولما كان ربما خيل هذا من في قلبه مرض أن في يد الشيطان شيئاً من الأشياء{[63309]} ، سلب{[63310]} ذلك بقوله : { وليس } أي الشيطان وما حمل{[63311]} عليه من التناجي ، وأكد النفي بالجار فقال : { بضارّهم } أي الذين آمنوا { شيئاً } من الضرر وإن قل وإن خفي - بما أفهمه الإدغام { إلا بإذن الله } أي تمكين الملك المحيط {[63312]}بكل شيء{[63313]} علماً وقدرة ، روى الشيخان{[63314]} عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه " ولما كان التقدير : فقد علم أنه لا يخشى أحد غير الله لأنه لا ينفذ إلا ما أراده ، فإياه فليخش المربوبون ، عطف عليه قوله : { وعلى الله } أي الملك الذي لا كفوء له ، لا على أحد غيره { فليتوكل المؤمنون } أي الراسخون في الإيمان في جميع أمورهم ، فإنه القادر وحده على إصلاحها وإفسادها ، ولا يحزنوا من أحد أن يكيدهم بسره ولا بجهره ، فإنه إذا توكلوا عليه وفوضوا أمورهم{[63315]} إليه ، لم يأذن في حزنهم ، وإن لم يفعلوا أحزنهم ، وخص الراسخين لإمكان ذلك منهم في العادة ، وأما أصحاب البدايات فلا يكون ذلك منهم إلا خرق عادة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.