تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

السلام في الإسلام

{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين( 208 ) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم( 209 ) }

المفردات :

السلم : بكسر السين وتفتح ، الاستسلام للطاعة .

كافة : جميعا .

خطوات : جمع خطوة بفتح الخاء وضمها .

المعنى الإجمالي :

يا أيها الذين آمنوا كونا جميعا مسالمين فيما بينكم ولا تتبعوا العصبيات الجاهلية وغيرها من أسباب النزاع والخلاف ، ولا تسيروا في طريق الشيطان الذي يدفعكم إلى الشقاق فإنه لكم عدو مبين .

التفسير :

{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لمن عدو مبين }

ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية موجهة إلى مؤمني أهل الكتاب .

جاء في تفسير مقاتل بن سليمان( 142 ) : أن عبد الله بن سلام ، وسلام بن قيس ، وأسيد وأسد بنا كعب ، ويامين وهم مؤمنو أهل التوراة استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة التوراة في الصلاة ، وفي أمر السبت ، وأن يعملوا ببعض ما في التوراة ، فقال الله عز وجل خذوا سنة محمد صلى الله عليه وسلم وشرائعه ، فإن قرآن محمد نسخ كل كتاب كان منن قبله . فقال : { ادخلوا في السلم كافة } . يعني في شرائع الإسلام كلها .

{ ولا تتبعوا خطوات الشيطان } يعني تزيين الشيطان فإن السنة الأولى بعدما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ضلالة من خطوات الشيطان .

والوجه الثاني في تفسير السلم هو المسالمة والمصالحة .

والمعنى : يا أيها الذين أمنوا إن إيمانكم يوجب عليكم فيما بينكم أن تكونوا متصالحين غير متعادين ، متحابين غير متباغضين ، متجمعين غير متفرقين ، كما أنه يوجب عليكم بالنسبة لغيركم ممن هو ليس على دينكم أن تسالموه متى سالمكم ، وأن تحاربوه متى اعتدى عليكم ، فإن دينكم ما جاء للحرب والخصام ، وإنما جاء للهداية وللسلام العزيز القوي الذي يرد الاعتداء بمثله .

وقد ذكر السيد رشيد رضا في تفسير المنار ، أن الوجه الأول ضعيف وأن الآية لم تنزل في شأن مؤمني أهل الكتاب وإنما نزلت تدعو المسلمين إلى التمسك بأهداب الإسلام وترك الشقاق والتنازع ، والاعتصام بحبل الوحدة والأخوة ، وهي بمعنى قوله عز وجل : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } . ( آل عمران : 103 ) .

وقوله تعالى : { ولا تنازعوا فتفشلوا } . ( الأنفال : 46 ) وقوله عليه الصلاة والسلام : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض " ( 143 ) .

وبعض المفسرين ذكر أن المراد بالآية لمنافقون ، والتقدير يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا بكليتكم في الإسلام ولا تتبعوا خطوات الشيطان . وهو قول ضعيف ولا يؤيده سياق الآية الكريمة .

لأن الآية صريحة في دعوة المؤمنين إلى التمسك بجميع تعاليم الإسلام ، وإلى الإخاء الجامع ونبذ التفرق والاختلاف والاعتداء .

وإن صحت الروايات في أنها نزلت في شان مؤمني أهل الكتاب فلا مانع أن تكون الآية موجهة لهم وتشمل المسلمين أيضا ، بالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين :

إي ادخلوا في السلم واحذروا أن تتبعوا مدارج الشيطان وطرقه ، إنه لكم عدو ظاهر العداوة بحيث لا تخفى عداوته على عاقل .

وفي قوله تعالى : { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } . إشعار بأن الشيطان كثيرا ما يجر الإنسان إلى الشر خطوة فخطوة ، ودرجة فدرجة ، حتى يجعله يألفه ويقتحمه بدون تردد ، وبذلك يكون ممن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، والعاقل من الناس هو الذي يبتعد عن كل ما هو من نزاعات الشيطان ووساوسه ، فإن صغير الذنوب قد يوصل إلى كبيرها ، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه .