تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ} (61)

59

61- { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين }

المفردات :

حاجك : أي جادلك .

ثم نبتهل : أي ثم ندع الله مضارع من الابتهال وهو الدعاء .

التفسير :

الخطاب في هذه الآية للرسول صلى الله عليه وسلم لقد بينت الآيات السابقة حقيقة عيسى عليه السلام بما فيه كفاية وغناء لطالب الإيضاح والبيان .

وهنا يوجه الله تعالى رسوله الكريم إلى ان ينهي الجدل والمناظرة حول هذه القضية الواضحة وحول هذا الحق المبين . . والمعنى فمن جادلك في شأن عيسى بعد هذا البيان فلا تجادلهم في شأن منه وأفحمهم وقل لهم : { تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل } . ويضرع كل منا على الله تعالى ويدعوه ان يجعل لعنته على الكاذبين منا .

وقد حدث ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية اخبر وفد من نجران بها ودعاهم إلى اجتماع حاشد ومعهم نساؤهم وابناؤهم ليبتهل الجميع إلى الله تعالى أن ينزل لعنته على الكاذب من الفريقين .

وحضر الرسول في الموعد ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي فلم يجدهم فقد تشاوروا فيما بينهم فقالوا للعاقب وكان صاحب رأيهم يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ قال والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط فيبقى كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما كنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك ونتركك على دينك وان نرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا فإنكم عندنا رضا فأمر النبي أيا عبيدة ابن الجراح أن يخرج معهم ويقضي بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه ( 178 ) .

واخرج أبو نعيم في الدلائل عن الضحاك وابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على الجزية ومقدارها ألف حلة في صفر ومثلها في رجب ودراهم وذلك بعد أن ا شار عليهم يهود المدينة بالصلح وعدم الملاعنة وقالوا هو النبي صلى الله عاليه وسلم الذي نجده في التوراة ( 179 ) .

قد يقول قائل : ان الجزية فرضت بعد فتح مكة ووفد نجران جاء قبلها فكيف يقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم صالحهم على الجزية ؟ الجواب أن ذلك من باب المصالحة على ترك المباهلة وجاء فرض الجزية بعد ذلك على وقف ما صنعه الرسول وقد أجيب بأجوبة أخرى فارجع إليها إن شئت في تفسير ابن كثير .