تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ قَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا كَانُواْ يَمۡكُرُونَ} (124)

المفردات :

أجرموا : اكتسبوا جرما ، والجرم : الذنب .

صغار : ذل وهوان .

التفسير :

وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته . . . الآية .

هذه الآية استمرار في مناقشة أهل مكة ، ومجابهة للظالمين والمتكبرين منهم عن الاستجابة للهدى .

سبب النزول :

قال مقاتل بن سليمان نزلت في أبي جهل ، وذلك أنه قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف ، حتى إذا صرنا كفرسى رهان ، قالوا : منا نبي يوحى إليه . . والله ، لا نؤمن به ، ولا نتبعه أبدا ، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ؛ فأنزل الله سبحانه الآية .

وروي أن الوليد بن المغيرة قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ولو كانت النبوة حقا لكنت أنا أولى بها منك ؛ لأني أكبر منك سنا وأكثر مالا ؛ فأنزل الله هذه الآية .

والمعنى : وإذا أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية تدعوا قريش إلى الإيمان بما جاءهم به ؛ امتنعوا عن الإيمان به ؛ حسدا واستكبارا .

وقالوا : لن نومن حتى نؤتى من الوحي مثل ما أوتي رسول الله ، وتكون لنا نبوة ، كما لبني عبد مناف نبوة ، وإلا فلن نؤمن بمحمد .

الله أعلم حيث يجعل رسالته .

الله سبحانه وتعالى يحتار لرسالته المعدن السليم ، والقلب النظيف ، الذي لا يحمل الحقد والحسد والكبر .

ثم إن الرسالة منة من الله وفضل ، والله يختص برحمته من يشاء .

قال الألوسي :

وجملة الله أعلم حيث يجعل رسالته استئناف بياني .

والمعنى : إن منصب الرسالة ، ليس مما ينال بما يزعمونه من كثرة المال والولد ، وتعاضد الأسباب والعدد ، وإنما ينال بفضائل نفسانية ، ونفس قدسية ، أفضاها الله تعالى ، بمحض الكرم والجود ، على من كمل استعداده . ا . ه .

لقد اصطاف الله لرسالته الأنبياء والمرسلين ، واختار أولوا العزم من الرسل فجعلهم قدوة وأسوة ؛ لأنهم كانوا أكثر تحملا وجهادا وتضحية ، قال تعالى : فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل . ( الأحقاف : 35 ) .

وأولوا العزم من الرسل خمسة : إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام ، وقد أتم الله الرسالات بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ومنحه من المزايا الخلقية والنفسية وغيرها ، وما جعله رحمة لعالمين .

روى الإمام مسلم في كتاب فضاء عن وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل . اصطفى من بني إسماعيل كنانه ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفى من بني هاشم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم – ( 4 ) .

سيصيب الذين أجرموا صغارا عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون .

قال القرطبي : الصغار : الضيم والذل والهون .

والمعنى : سيصيب أولئك المستكبرين المجرمين ، ذلة وهوان شديد ثابت لهم عند الله في الدنيا والآخرة ، بدل العزة التي طلبوها بالاشتراك في النبوة ، ويصيبهم إلى جانب ذلك عذاب شديد بسبب مكرهم بنبي الهدى ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .