تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{وَإِذَا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ قَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا كَانُواْ يَمۡكُرُونَ} (124)

الصِّغار : الذل والهوان .

يبين الله تعالى هنا تعنُّت المشركين وعنادَهم وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول : إن هؤلاء الكبارَ من المجرمين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من علم ونبوة وهداية ، فإذا جاءتهم حجّةٌ قاطعة تتضمن صدقَ الرسول الكريم لا يذعنون لها . بل يقولون : لن نؤمن بها حتى ينزل علينا الوحيُ كما ينزِلُ على الرسل .

هكذا قال الوليد بن المغيرة : لو كانت النبوة حقاً لكنتُ أَولى بها من محمد ، فأنا أكبر منه سنّاً ، وأكثر منه مالاً وولدا .

وقال أبو جهل : والله لا نرضى به ولا نتّبعه أبدا ، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه .

وقد رد الله عليهم جهالتهم وبين لهم خطأهم بقوله :

{ الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } .

فالله تعالى وحده هو الذي يعلم من يستحق الرسالة ، وهي فضلٌ من الله يمنحه من يشاء ، لا ينالها أحد بكسْب ، ولا يتّصل إليها بسبب ولا نسب . وهي أمرٌ لا يورث حتى ينتقل من والد إلى ولد ، ولا فضل لقرابة أو اشتراك في الدم . وقد جعلها سبحانه حيث عِلِم ، واختار لها أكرم خلقه وأخلصهم ، محمدا خير الخلق وخاتم النبيين .

ثم أوعد الله المكابرين وبين سوء عاقبتهم لعدم استعدادهم للإيمان فقال :

{ سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } .

إذا كان هؤلاء يطلبون الرياسة بهذا العناد ، فسينالهم الصغار والذل في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة ، جزاء مكرهم وتدبيرهم السيء . وقد عذّب الله أكابر مجرمي مكة الذين تصدَّوا لإيذاء النبي عليه الصلاة والسلام ، فقُتل منهم من قتل في بدر ، ولحق الصغارُ والهوانُ بالباقين ، وسينالهم العذاب الشديد في الآخرة ، والعاقبة للمتقين .

قراءات :

قرأ ابن كثير وحفص رسالته ، والباقون رسالاته بالجمع .