ثم إنه سبحانه حكى قول أبي جهل وإضرابه «زاحمنا بني عبد مناف في الشرف إلى آخره » وقول الوليد بن المغيرة «لو كانت النبوّة حقاً لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سناً وأكثر منك مالاً » فقال : { وإذا جاءتهم آية } أي معجزة قاهرة أو وحي . { قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله } قال الضحاك : أراد كل واحد منهم ذلك كما في الآية الأخرى : { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة } [ المدثر : 52 ] ويشبه أن يكون هذا الكلام الخبيث هو المراد بالمكر المذكور في الآية المتقدمة ، وللمفسرين في مقترحهم قولان : أحدهما - وهو الأشهر - أنهم أرادوا أن تحصل لهم النبوَّة والرسالة كما حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأن يكونوا متبوعين لا تابعين ومخدومين لا خادمين . وثانيهما عن ابن عباس والحسن أن المعنى وإذا جاءتهم آية من القرآن تأمرهم باتباع محمد صلى الله عليه وآله { قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } [ الإسراء : 90 ] إلى قوله : { حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } [ الإسراء : 93 ] من الله تعالى إلى أبي جهل وفلان وفلان فالقوم ما طلبوا النبوّة وإنما طلبوا آيات قاهرة ومعجزات ظاهرة مثل معجزات الأنبياء المتقدمين تدل على صحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم . فقوله سبحانه في جوابهم على سبيل الاستئناف { الله أعلم حيث يجعل رسالته } على القول الأول ظاهر ، وأما على القول الثاني فوجهه أن القوم إذا اقترحوا تلك الآيات فلو أظهر الله تعالى تلك المعجزات على وفق التماسهم لكانوا قد قربوا من منصب الرسالة . قال بعض العقلاء : الأرواح متساوية في تمام الماهية فحصول النبوّة والرسالة لبعضها دون بعض تشريف من الله تعالى وإحسان وتفضل . وقال آخرون : بل النفوس مختلفة بجواهرها وماهياتها فبعضها خيرة طاهرة من علائق الجسمانيات مشرقة بالأنوار الإلهية مستعلية منورة ، وبعضها خبيثة كدرة محبة للجسمانيات ، فالنفس ما لم تكن من القسم الأول لم تصلح لقبول الوحي والرسالة . ومراتب الرسل مختلفة فمنهم ذو معجزة واحدة وذو معجزتين أو أكثر ، ومنهم من له تبع قليل ومنهم من آمن به جم غفير ، ومنهم من كان الرفق غالباً عليه ومنهم من كان مدار أمره على التغليظ والتشديد . وفي الآية تعريض بأن حصول النبوّة والرسالة لا بد فيه من قلب سليم ، والمقترحون فيهم من المكر والحسد ما فيهم فكيف يعقل حصول الرسالة لهم وإنما يحصل لهم ما يناسب أخلاقهم وأحوالهم ولهذا قال تعالى : { سيصيب الذين أجرموا صغار } ذل وهوان { عند الله } أي في الآخرة أو في الدنيا بحكم الله وإيجابه من الأسر والقتل . أو المراد من عند الله فحذف «من » . أو قوله : { عند الله } مستأنف أي معدّ لهم ذلك ، واعلم أن كمال العقاب لا بد فيه من أمرين : الضرر ، والإهانة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.