السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُل لَّوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرٗا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (16)

{ قل } يا محمد لهؤلاء المشركين الذين طلبوا منك تغيير القرآن وتبديله { لو شاء الله ما تلوته عليكم } أي : لو شاء الله لم ينزل هذا القرآن ، ولم يأمرني بقراءته عليكم { ولا أدراكم به } أي : ولا أعلمكم به على لساني . وقرأ ابن كثير بخلاف عن البزي بقصر الهمزة بعد اللام جواب لو ، أي : لأعلمكم به على لسان غيري ، والباقون بالمدّ المنفصل . وقوله تعالى : { فقد لبثت } أي : مكثت قراءة نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الثاء عند التاء والباقون بالإدغام { فيكم عمراً } سنين أربعين { من قبله } أي : قبل أن يوحى إليَّ هذا القرآن لا أتلوه ولا أعلمه ، ففي ذلك إشارة إلى أنّ هذا القرآن معجز خارق للعادة .

وتقريره : أن أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوّل عمره إلى ذلك الوقت ، وكانوا عالمين بأحواله وأنه ما طالع كتاباً ، ولا تتلمذ لأستاذ ولا تعلم من أحد ، ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه ، جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول ، ودقائق علم الأحكام ولطائف علم الأخلاق ، وأسرار قصص الأوّلين ، وعجز عن معارضته العلماء والفصحاء والبلغاء ، وكل من له عقل سليم ، فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحي والإلهام من الله تعالى { أفلا تعقلون } أي : أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر لتعلموا أنَّ مثل هذا الكتاب العظيم على من لم يتعلم ولم يتتلمذ ولم يطالع كتاباً ، ولم يمارس مجادلة ، أنه لا يكون إلا على سبيل الوحي من الله تعالى ، لا من مثلي ، وهذا جواب عمّا دسوه تحت قولهم { ائت بقرآن غير هذا } من إضافة الإفتراء إليه .

تنبيه : أقام صلى الله عليه وسلم بعد أن أوحي إليه بمكة ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة . قال النووي : ورد في عمره صلى الله عليه وسلم ثلاث روايات : إحداها : أنه توفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة . والثانية : خمس وستون سنة . والثالثة : ثلاث وستون سنة ، وهي أصحها وأشهرها ، وتأوّلوا رواية ستين بأنَّ راويها اقتصر فيها على العقود ، وترك الكسر ، ورواية الخمس أيضاً متأوّلة ، وحصل فيها اشتباه .