السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَـٰٓؤُلَآءِ شُفَعَـٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (18)

{ ويعبدون } أي : هؤلاء المشركون { من دون الله } أي : غيره { ما لا يضرّهم } أي : إن لم يعبدوه { ولا ينفعهم } أي : إن عبدوه ، وهو الأصنام ؛ لأنها حجارة وجماد لا تضرّ ولا تنفع ، والكافرون قادرون على التصرف فيها تارة بالإصلاح وتارة بالإفساد ، وإذا كان العابد أصلح حالاً من المعبود كانت العبادة باطلة ؛ لأنّ العبادة أعظم أنواع التعظيم ، فلا تليق إلا بمن يضرّ وينفع ، بأن يثيب على الطاعة ، ويعاقب على المعصية ، وكان أهل الطائف يعبدون اللات ، وأهل مكة يعبدون العزى ومناة وهبل وإسافا ونائلة . { ويقولون هؤلاء } أي : الأصنام التي نعبدها . { شفعاؤنا عند الله } ونظيره قوله تعالى إخباراً عنهم : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } . [ الزمر ، 3 ] . وقيل : إنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم ، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر يكونون شفعاء لهم عند الله . قال الرازي : ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله . اه . ولكن تعظيمهم لهؤلاء ليس كتعظيم الكفار ، وفي هذه الشفاعة قولان :

أحدهما : أنهم يزعمون أنها تشفع لهم فيما يهمهم من أمور الدنيا في إصلاح معايشهم . قاله الحسن ؛ لأنهم كانوا لا يعتقدون بعث الموتى .

والثاني : أنهم يزعمون أنها تشفع لهم في الآخرة إن يكن بعث ، قاله ابن جريج عن ابن عباس ، وكأنهم كانوا شاكين فيه ، وهذا من فرط جهالتهم حيث تركوا عبادة موجدهم الضارّ النافع إلى عبادة ما يعلم قطعاً أنه لا يضرّ ولا ينفع ، على توّهم أنه ربما يشفع لهم . قال النضر بن الحارث : إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى . وقوله تعالى : { قل } يا محمد لهؤلاء المشركين { أتنبئون } أي : تخبرون { الله } وهو العالم بكل شيء المحيط بكل محيط . { بما لا يعلم } أي : لا يوجد له به علم في وقت من الأوقات ، استفهام إنكار تهكم بهم ، وبما ادّعوه ومن المحال الذي هو شفاعة الأصنام ، وإعلام بأن الذي أنبؤوا به باطل غير منطوٍ تحت الصحة ، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه . وقوله تعالى : { في السماوات ولا في الأرض } تأكيد لنفيه ؛ لأنّ ما لم يوجد فيهما فهو منتفٍ معدوم ، وهذا على طريق الإلزام ، والمقصود نفي علم الله بذلك الشفيع ، وأنه لا وجود له البتة ؛ لأنه لو كان موجوداً لكان معلوماً لله تعالى وحيث لم يكن معلوماً لله تعالى ، وجب أن لا يكون معلوماً موجوداً ، وهذا مثل مشهور في العرب ، فإنّ الإنسان إذا أراد نفي شيء عن نفسه يقول : ما علم الله ذلك مني ؛ ومقصوده أنه ما حصل ذلك الشيء منه قط ولا وقع . { سبحانه } أي : تنزيهاً له عن كل شيء فيه شائبة نقص . { وتعالى عما يشركون } ما مصدرية أو موصولة ، أي : عن إشراكهم أو عن الشركاء الذين يشركونهم به . وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب ، لقوله : { أتنبئون الله } والباقون بالياء على الغيبة ، فكأنه قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم قل أنت : سبحانه وتعالى عما يشركون ، ويجوز أن يكون الله سبحانه و تعالى هو الذي نزه نفسه عما قالوه ، فقال : سبحانه و تعالى عما يشركون .