السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} (71)

القصة الأولى : قصة نوح عليه السلام المذكورة بقوله تعالى :

{ واتل } يا محمد { عليهم } أي : كفار قريش { نبأ } أي : خبر { نوح } وذلك ليكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه أسوة ممن سلف من الأنبياء ، فإنه كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع أنّ معاملة هؤلاء الكفار مع كل الرسل ما كان إلا على هذا الوجه خف ذلك على قلبه ، كما يقال : المصيبة إذا عمت خفت ، ولأنّ الكفار إذا سمعوا هذه القصص ، وعلموا أنّ الجهال وإن بالغوا في إيذاء الأنبياء المتقدّمين ، إلا أنّ الله تعالى أعلنهم بالآخرة ونصرهم وأيدهم وقهر أعداءهم ؛ كان سماع هؤلاء الكفار لأمثال هذه القصص سبباً لانكسار قلوبهم ووقوع الخوف والوجل في صدورهم ، ولأنّ الكلام إذا طال تقريراً في نوع من أنواع العلوم فربما حصل نوع من أنواع الملالة ، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الفن من العلم إلى فن آخر شرح صدره ، وطاب قلبه ، ووجد في نفسه رغبة جديدة وقوّة حادثة وميلاً قوياً ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لما لم يتعلم علماً ولم يطالع كتاباً ثم ذكر هذه القصص من غير تفاوت ، ومن غير زيادة ، ومن غير نقصان ؛ دل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عرفها بالوحي والتنزيل ويبدل من نبأ نوح { إذ قال لقومه } وهم بنو قابيل { يا قوم إن كان كبر } أي : شق وعظم { عليكم مقامي } أي : لبثي فيكم ألف سنة إلا خمسين عاماً { وتذكيري } أي : وعظي إياكم { بآيات الله } أي : بحجته وبيناته ، فعزمتم على قتلي وطردي { فعلى الله توكلت } أي : فهو حسبي وثقتي أو قيامي على الدعوة ؛ لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بيناً ، وكلامهم مسموعاً كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائماً وهم قعود .

{ فأجمعوا أمركم } أي : فاعزموا على أمر تفعلونه في أذاي بالإهلاك أو غيره { وشركاءكم } أي : وادعو شركاءكم أو الواو وبمعنى مع ، أي : مع شركائكم وهي الأصنام ، وإنما حثهم على الاستعانة بها بناء على مذهبهم الفاسد ، واعتقادهم أنها تضرّ وتنفع مع اعتقاده أنها جماد لا تضرّ ولا تنفع تبكيتاً وتوبيخاً لهم . { ثم لا يكن أمركم } أي : الذي تقصدوني به { عليكم غمة } أي : مستوراً من غمه إذا ستره ، بل أظهروه وجاهروني مجاهرة ، فإنه لا معارضة لي بغير الله الذي يستوي عنده السرّ والجهر { ثم اقضوا إليّ } أي : امضوا ما في أنفسكم وافرغوا منه ، يقال : قضى فلان إذا مات ، ومضى وقضى دينه إذا فرغ منه . وقيل : معناه توجهوا إليّ بالقتل والمكروه . وقيل : فاقضوا ما أنتم قاضون ، وهذا مثل قول السحرة لفرعون : { فاقض ما أنت قاض } [ طه ، 72 ] أي : اعمل ما أنت عامل . { ولا تنظرون } أي : ولا تؤخرون بعد إعلامكم إياي ما أنتم عليه ، وإنما قال ذلك إظهاراً لقلة مبالاته وثقته بما وعده ربه من كلامه وعصمته ، وأنهم لن يجدوا إليه سبيلاً .