ولما أشار تعالى إلى عذاب المخالفين قرّر أسبابه وعرف أنها بقدره وأن قدره لا يمنع حقوق العذاب بقوله تعالى : { وإذا أردنا } أن نحيي قرية الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة ألقينا في قلوب أهلها امتثال أو أمرنا والتقييد باتباع رسلنا وإذا أردنا { أن نهلك قرية } في الزمن المستقبل { أمرنا } أي : بما لنا من القدرة التامّة الشاملة { مترفيها } أي : منعميها الذين لهم الأمر والنهي قال الأكثرون : أمرهم الله تعالى بالطاعة والخير على لسان رسله { ففسقوا فيها } أي : خرجوا عن طاعة الله ورسوله . وقال صاحب «الكشاف » : ظاهر اللفظ يدل على أنه تعالى يأمرهم بالفسق فيفسقون إلا أنّ هذا مجاز ، ومعناه أنه يفتح عليهم أبواب الخيرات والراحات فعند ذلك تمردوا وطغوا وبغوا . قال : والدليل على أنّ ظاهر اللفظ يقتضي ما ذكرناه أن المأمور به إنما حذف لأنّ قوله ففسقوا يدل عليه يقال أمرته فقام وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام وقراءة فكذا هنا لما قال : { أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } وجب أن يكون المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا لا يقال يشكل هذا بقولهم أمرته فعصاني وخالفني فإنّ هذا كلام لا يفهم منه أني أمرته بالمعصية والمخالفة لأنّا نقول : إنّ المعصية منافية للأمر ومناقضة له فيكون كونها مأموراً بها مخالفاً فلهذه الضرورة تركنا هذا الظاهر انتهى .
قال الرازي : ولقائل أن يقول كما أنّ قوله أمرته فعصاني يدل على أنّ المأمور به شيء غير المعصية من حيث إنّ المعصية منافية للأمر ومناقضة له فكذلك قوله أمرته ففسق يدل على أنّ المأمور به غير الفسق لأن الفسق عبارة عن الإتيان به فكونه فسقاً ينافي كونه مأموراً به كما أنّ كونه معصية ينافي كونها مأموراً بها فوجب أن يدل هذا اللفظ على أنّ المأمور به ليس بفسق وهذا الكلام في غاية الظهور ولم أدر لم أصرّ صاحب «الكشاف » على قوله مع ظهور فساده فثبت أنّ الحق ما ذكر الكل وهو أن المعنى أمرناهم بالأعمال الصالحة وهي الإيمان والطاعة والقوم خالفوا ذلك الأمر عناداً وأقدموا على الفسق { فحق عليها القول } أي : الذي توعدناهم به على لسان رسولنا { فدمرناها تدميراً } أي : أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارهم ، وخص المترفين بالذكر لأنّ غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور ، وقيل معناه كثرنا وروى الطبراني وغيره حديثاً : «خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة » أي : كثيرة النتاج . والسكة بكسر السين وتشديد الكاف الطريقة المصطفة من النخل ، والمأبورة الملقحة قال ذلك الجوهري . وروي أنّ رجلاً من المشركين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرى أمرك هذا حقيراً ؟ فقال صلى الله عليه وسلم «إنه سيأمر » أي : سيكثر وسيكبر . وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول : «لا إلى إلا الله ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين إصبعيه الإبهام والتي تليها . قالت زينب قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث » أي : الشرّ . وويل يقال لمن وقع في مهلكة أو أشرف أن يقع فيها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.