السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (267)

ولما ذكر سبحانه وتعالى أن الإنفاق على قسمين وبين كل قسم وضرب له مثلاً ذكر كيفية الإنفاق بقوله تعالى :

{ ي أيها الذين آمنوا أنفقوا } أي : زكوا { من طيبات } أي : جياد { ما كسبتم } من المال والتجارة والصناعة ، وفيه دلالة على إباحة الكسب ، وأنه ينقسم إلى طيب وخبيث . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإنّ ولده من كسبه ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده ) وكان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده ) .

والزكاة واجبة في مال التجارة فبعد الحول تقوم العروض ، فيخرج من قيمتها عشرين ديناراً ، أو مائتي درهم فضة فيزكيها ، قال سمرة بن جندب : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعدّ للبيع ) .

{ ومما } أي : ومن طيبات ما { أخرجنا لكم من الأرض } من الحبوب والثمار والمعادن فحذف المضاف وهو طيبات من الثاني لتقدّم ذكره . وفي هذا أمر بإخراج العشر من الثمار والحبوب ، واتفق أهل العلم على إيجاب العشر في النخيل والكروم وفيما يقتات من الحبوب إن كان مسقياً بماء السماء ، أو من نهر يجري الماء فيه من غير مؤنة ، وإن كان مسقياً بساقية أو نضح ففيه نصف العشر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فيما سقت السماء والعيون أو كان عشرياً العشر ، وفيما يسقي بالنضح نصف العشر ) وعنه : ( ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ) وقال قوم الآية في صدقة التطوع قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كانت له صدقة ) .

{ ولا تيمموا } أي : لا تقصدوا { الخبيث } أي : الرديء { منه } أي : المذكور { تنفقون } في الزكاة حال من ضمير تيمموا { ولستم بآخذيه } أي : الخبيث { إلا أن تغمضوا } أي : تسامحوا { فيه } بالحياء مع الكراهة مجاز من أغمض بصره إذا غضه .

وروي عن البراء قال : لو أهدي ذلك لكم ما أخذتموه إلا على استحياء من صاحبه وغيظ ، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم ؟ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كانوا يتصدّقون بحشف التمر وشواره فنهوا عن ذلك ، هذا إذا كان المال كله أو بعضه جيداً فإن كان كل ماله ردياً فلا بأس بإعطاء الرديء { واعلموا أنّ الله غنيّ } عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لانتفاعكم { حميد } أي : يجازي المحسن أفضل الجزاء على أنه لم يزل محموداً ولا يزال عذب أو أثاب .