ولما أشار بالتوكل إلى أنه الكافي في أمر الرزق في الوطن والغربة لا مال ولا أهل قال عاطفاً على ما تقديره فكأين من متوكل عليه كفاه ولم يحوجه إلى أحد سواه فليبادر من أنقذه من الكفر وهداه إلى الهجرة طلباً لرضاه . { وكأيّن من دابة } أي : كثير من الدواب العاقلة وغيرها { لا تحمل } أي : لا تطيق أن تحمل { رزقها } أي : لا تدخر شيئاً لساعة أخرى لأنها قد لا تدرك نفع ذلك وقد تدركه وتتوكل ، وعن الحسن : لا تدخر إنما تصبح فيرزقها الله تعالى ، وعن ابن عيينة : ليس شيئاً يخبأ إلا الإنسان والنملة والفارة ، وعن بعضهم قال : رأيت البلبل يدخر في حنية ، ويقال للعقعق مخابئ إلا أنه ينساها أو لا تجده أو لا تطيق حمله لضعفها ، ثم كأنه قيل فمن يرزقها فقيل { الله } أي : المحيط علماً وقدرة المتصف بكل كمال { يرزقها } على ضعفها وهي لا تدخر { وإياكم } مع قوتكم وادخاركم واجتهادكم لا فرق بين ترزيقه لها على ضعفها وعدم ادخارها ، وترزيقه لكم على قوتكم وادخاركم فإنه هو المسبب وحده فإنّ الفريقين تارة يجدون وتارة لا يجدون فصار الإدخار وعدمه غير معتدّ به ولا منظوراً إليه ، وقرأ ابن كثير بعد الكاف بألف وبعد الألف همزة مكسورة ، والباقون بعد الكاف همزة مفتوحة وبعدها ياء مشدّدة ، ووقف أبو عمرو على الياء ، ووقف الباقون على النون ، وحمزة في الوقف يسهل الهمزة على أصله .
تنبيه : كأين كلمة مركبة من كاف التشبيه وأي : التي تستعمل استعمال من وما ركبتا وجعل المركب بمعنى كم ثم لم تكتب إلا بالنون ليفصل بين المركب وغير المركب لأنّ كأي تستعمل غير مركبة كما يقول القائل : رأيت رجلاً كأيّ رجل يكون وحينئذٍ لا يكون كأي : مركباً فإذا كان كأيّ ههنا مركباً كتب بالنون للتمييز { وهو السميع } لأقوالكم نخشى الفقر والضيعة { العليم } بما في ضمائركم .
واختلف في سبب نزول هذه الآية فعن ابن عمر أنه قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً من حوائط الأنصار : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقط الرطب بيده ويأكل فقال : كل يا ابن عمر قلت : لا أشتهيه يا رسول الله قال : لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة لم أطعم طعاماً ولم أجده فقلت : يا رسول الله إن الله المستعان فقال : يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر أضعافاً مضاعفة ولكني أجوع يوماً وأشبع يوماً فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنة ويضعف اليقين فنزلت { وكأين من دابة } ( العنكبوت : 60 ) .
وروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : للمؤمنين الذين كانوا بمكة وآذاهم المشركون «هاجروا إلى المدينة » فقالوا : كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا ويسقينا فنزلت وعن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم «كان لا يدخر شيئاً » وقال صلى الله عليه وسلم : «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً » وقال صلى الله عليه وسلم : «أيها الناس ليس شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به ، وليس شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ، وإنّ الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.