السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ غُرَفٗا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (58)

{ والذين آمنوا وعملوا } أي : تصديقاً لإيمانهم { الصالحات لنبؤنّهم } أي : لننزلنهم { من الجنة غرفاً } أي : بيوتاً عالية ، قال البقاعي : تحتها قاعات واسعة ، وقرأ حمزة والكسائي بعد النون بثاء مثلثة ساكنة وبعدها واو مكسورة وبعد الواو ياء مفتوحة أي : لنثوينهم أي : لنقيمنهم من الثواء وهو الإقامة يقال : ثوى الرجل إذا أقام فيكون انتصاب غرفاً لإجرائه مجرى لننزلنهم ، أو بنزع الخافض اتساعاً أي : في غرف أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم كقوله : { لأقعدنّ لهم صراطك } ( الأعراف : 16 ) ، والباقون بعد النون بباء موحدة وبعدها واو مشدّدة وبعد الواو همزة مفتوحة وعلى هذه القراءة فانتصابها على أنها مفعول ثان لأنّ بوّأ يتعدّى لاثنين ، قال الله تعالى : { تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال } ( آل عمران : 121 ) ويتعدّى باللام قال تعالى : { وإذ بوّأنا لإبراهيم } ( الحج : 26 ) .

ولما كانت العلالي لا تروق إلا بالرياض قال تعالى : { تجري من تحتها الأنهار } ومن المعلوم أنه لا يكون في موضع أنهار إلا أن يكون فيه بساتين كبار وزروع ورياض وأزهار فيشرفون عليها من تلك العلالي .

ولما كانت بحالة لا نكر فيها يوجب هجرة في لحظة ما كنى عنه بقوله تعالى : { خالدين فيها } أي : لا يبغون عنها حولاً ، ثم عظم أمرها وشرف قدرها بقوله تعالى : { نعم أجر العاملين } أي : هذا الأجر وهذا في مقابلة قوله تعالى للكافر : { ذوقوا ما كنتم تعملون } ( العنكبوت : 55 ) .