فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ غُرَفٗا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (58)

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ( 58 ) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 59 ) وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 60 ) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ( 61 ) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 62 ) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ( 63 ) }

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات } في هذا ترغيب إلى الهجرة ، وأن جزاء من هاجر أن يكون في غرف الجنة كما قال { لنبوئنهم } أي لننزلنهم ، وهو مأخوذ من المباءة وهي الإنزال ، وقرئ لنثوينهم بالثاء ، والمعنى لنعطينهم غرفا يثوون فيها من الثوى ، وهو الإقامة قال الزجاج : يقال : ثوى الرجل إذا قام وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه . قال الأخفش : لا تعجبني هذه القراءة لأنك لا تقول : أثويته الدار ، بل تقول : في الدار ، وليس في الآية حرف جر في المفعول الثاني .

{ من الجنة غرفا } أي : غرف الجنة وهي علاليها جمع علية ، ثم وصف سبحانه تلك الغرف فقال { تجري من تحتها الأنهار } أي من تحت الغرف { خالدين فيها } أي مقدرين الخلود في الغرف ، لا يموتون أبدا ، أو في الجنة ، والأول أولى .

{ نعم أجر العاملين } للأعمال الصالحة أجرهم ، بيّن في هذه الآية : أن للمؤمنين الجنات في مقابلة للكافرين النيران ، وأن فيها غرفا تحتها الأنهار : في مقابلة أن تحت الكافرين النار وبيّن أن ذلك أجر عملهم بقوله : نعم أجر العاملين في مقابلة ما تقدم للكفار بقوله : ذوقوا ما كنتم تعملون ، ولم يذكر ما فوق المؤمنين لأنهم في أعلى عليين فلم يذكر فوقهم شيئا إشارة إلى علو مرتبتهم ، وارتفاع منزلتهم ، ولم يجعل الماء تحت أقدامهم ، بل من تحت غرفهم لأن الماء يكون ملتذا به في أي جهة كان ، وعلى أي بعد كان إذا كان تحت الغرفة ذكره الرازي ، ثم وصف هؤلاء العاملين بقوله :