فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ غُرَفٗا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (58)

{ والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مّنَ الجنة غُرَفَاً } في هذا الترغيب إلى الهجرة ، وأن جزاء من هاجر أن يكون في غرف الجنة ، ومعنى { لنبوّئنهم } لننزلنهم غرف الجنة ، وهي علاليها : فانتصاب { غرفاً } على أنه المفعول الثاني على تضمين نبوئتهم معنى : ننزلنهم ، أو على الظرفية مع عدم التضمين ؛ لأن نبوئتهم لا يتعدّى إلاّ إلى مفعول واحد . وإما منصوب بنزع الخافض اتساعاً ، أي في غرف الجنة ، وهو مأخوذ من المباءة ، وهي الإنزال . قرأ أبو عمرو ويعقوب والجحدري وابن أبي إسحاق وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : { يا عبادي } بإسكان الياء ، وفتحها الباقون . وقرأ ابن عامر : { إن أرضي } بفتح الياء ، وسكنها الباقون . وقرأ السلمي وأبو بكر عن عاصم : " يرجعون " بالتحتية ، وقرأ الباقون بالفوقية . وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي { لنثوينهم } بالثاء المثلثة مكان الباء الموحدة ، وقرأ الباقون بالباء الموحدة ، ومعنى لنثوينهم بالمثلثة : لنعطينهم غرفاً يثوون فيها من الثوى وهو الإقامة . قال الزجاج ، يقال : ثوى الرجل : إذا أقام ، وأثويته : إذا أنزلته منزلاً يقيم فيه . قال الأخفش : لا تعجبني هذه القراءة ، لأنك لا تقول : أثويته الدار ، بل تقول في الدار ، وليس في الآية حرف جرّ في المفعول الثاني . قال أبو علي الفارسي : هو على إرادة حرف الجرّ ، ثم حذف كما تقول : أمرتك الخير ، أي بالخير .

ثم وصف سبحانه تلك الغرف فقال : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } أي من تحت الغرف { خالدين فِيهَا } أي في الغرف لا يموتون أبداً ، أو في الجنة ، والأوّل أولى { نِعْمَ أَجْرُ العاملين } المخصوص بالمدح محذوف ، أي نعم أجر العاملين أجرهم ، والمعنى : العاملين للأعمال الصالحة .

/خ69