مكية إلا { ويرى الذين أوتو العلم } الآية وهي أربع أو خمس وخمسون آية ، وثمانمائة وثلاث وثمانون كلمة ، وأربعة آلاف وخمسمائة واثنا عشر حرفاً .
{ بسم الله } أي : الذي من شمول قدرته إقامة الحساب { الرحمان } أي : الذي من عموم رحمته ترتيب الثواب والعقاب { الرحيم } أي : الذي يمن على أهل كرامته بطاعته حتى لا عقاب يلحقهم ولا عتاب .
ولما ختم السورة التي قبل هذه بصفتي المغفرة والرحمة بدأ هذه بقوله : { الحمد لله } أي : ذي الجلال والجمال على هذه النعمة .
فائدة : السور المفتتحة بالحمد خمس : سورتان في النصف الأول وهما الأنعام والكهف ، وسورتان في النصف الأخير وهما هذه السورة وسورة الملائكة ، والخامسة هي فاتحة الكتاب تقرأ مع النصف الأول ومع النصف الثاني الأخير ، والحكمة فيها أن نعم الله مع كثرتها وعدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين : نعمة الإيجاد ، ونعمة الإبقاء ، فإن الله تعالى خلقنا أولاً برحمته ، وخلق لنا ما نقوم به وهذه النعمة توجد مرة أخرى بالإعادة فإنه يخلقنا مرة أخرى ويخلق لنا ما ندوم به فلنا حالتان : الإبداء ، والإعادة ، وفي كل حالة له تعالى نعمتان : نعمة الإيجاد ، ونعمة الإبقاء ، فقال في النصف الأول : { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور } ( الأنعام : 1 ) إشارة إلى الشكر على نعمة الإيجاد ، ويدل عليه قوله تعالى : { هو الذي خلقكم من طين } ( الأنعام : 2 ) فأشار إلى الإيجاد الأول ، وقال في السورة الثانية : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً } ( الكهف : 1 ) فأشار إلى الشكر على نعمة الإبقاء ، فإن الشرائع بها البقاء ولولا شرع تنقاد له الخلق لاتبع كل واحد هواه ووقعت المنازعات وأدت إلى التقاتل والنفاق وقال ههنا : { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } ملكاً وخلقاً إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني بدليل قوله تعالى { وله } أي : وحده { الحمد } أي : الإحاطة بالكمال { في الآخرة } أي : ظاهر الكل من يجمعه الحشر وله كل ما فيها لا يدعي أحد ذلك في شيء منه ظاهراً ولا باطناً وقال في سورة الملائكة : { الحمد لله فاطر السماوات والأرض } ( فاطر : 1 ) إشارة إلى نعمة الإبقاء بدليل قوله تعالى : { جاعل الملائكة رسلاً } ( فاطر : 1 ) أي : يوم القيامة يرسلهم الله تعالى مسلمين على المسلمين كما قال تعالى : { وتتلقاهم الملائكة } ( الأنبياء : 103 ) وقال تعالى عنهم : { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } ( الزمر : 73 ) وفاتحة الكتاب لما اشتملت على ذكر نعمتين أشار بقوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } ( الفاتحة : 2 ) إلى النعمة العاجلة ، وأشار بقوله تعالى : { مالك يوم الدين } ( الفاتحة : 4 ) إلى النعمة الآجلة فرتب الافتتاح والاختتام عليهما .
فإن قيل : قد ذكرتم أن الحمد ههنا إشارة إلى النعم التي في الآخرة فلم ذكر الله تعالى السماوات والأرض ؟ أجيب : بأن نعم الآخرة غير مرئية فذكر الله تعالى النعم المرئية وهي ما في السماوات وما في الأرض .
ثم قال : { وله الحمد في الآخرة } ليقابل نعم الآخرة بنعم الدنيا ، ويعلم فضلها بدوامها وقيل : الحمد في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال تعالى : { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } ( فاطر : 34 ) { والحمد لله الذي صدقنا وعده } ( الزمر : 74 ) وتقدم الكلام على الحمد لغة واصطلاحاً ، والشكر كذلك في أول الفاتحة فتح الله علينا بكل خير وفعل ذلك بأحبابنا .
ولما تقرر أن الحكمة لا تتم إلا بإيجاد الآخرة قال تعالى : { وهو الحكيم } أي : الذي بلغت حكمته النهاية التي لا مزيد عليها ، والحكمة هي العلم بالأمور على وجه الصواب متصلاً بالعمل على وفقه { الخبير } أي : البليغ الخبر وهو العلم بظواهر الأمور وبواطنها حالاً ومآلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.