السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

{ وهم } أي : فعل ذلك بهم والحال أنهم { يصطرخون فيها } أي : يوجدون الصراخ فيها بغاية ما يقدرون عليه من الجهد في الصياح من البكاء والتوجع يقولون { ربنا } أي : أيها المحسن إلينا { أخرجنا } أي : من النار { نعمل صالحاً } ثم فسروه وبينوه بقولهم { غير الذي كنا نعمل } في الدنيا ، فإن قيل : هلا اكتفى بقولهم { نعمل صالحاً } كما اكتفى به في قولهم { فارجعنا نعمل صالحاً } ( السجدة : 12 ) وما فائدة زيادة { غير الذي كنا نعمل } على أنه يوهم أنهم يعملون صالحاً آخر غير الصالح الذي عملوه ؟ أجيب : بأن فائدته زيادة التحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به وأما الوهم فزائل بظهور حالهم في الكفر وظهور المعاصي ، ولأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة كما قال تعالى { وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً } ( الكهف : 104 )

فقالوا : أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نحسبه صالحاً فنعمله ، فيقال لهم توبيخاً وتقريعاً : { أو لم نعمركم } أي : نطل أعماركم مع إعطائنا لكم العقول ولم نعاجلكم بالأخذ .

{ ما } أي : زماناً { يتذكر فيه من تذكر } قال عطاء وقتادة والكلبي : ثماني عشرة سنة وقال الحسن : أربعون سنة وقال ابن عباس : ستون سنة ، وروي ذلك عن علي ، وروى البزار أنه صلى الله عليه وسلم قال : «العمر الذي أعذر الله تعالى فيه إلى ابن آدم ستون سنة » وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من عمرّه الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر » وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين » وأقلهم من يجوز ذلك .

وقوله تعالى : { وجاءكم النذير } عطف على { أو لم نعمركم } لأنه في معنى قد عمرناكم كقوله { ألم نربّك } ( الشعراء : 18 ) ثم قال { ولبثت } وقال تعالى { ألم نشرح لك صدرك } ( الشرح : 1 ) ثم قال تعالى { ووضعنا عنك وزرك } ( الشرح : 2 ) إذ هما في معنى ربيناك وشرحنا ، واختلف في النذير فقال الأكثرون : هو محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : القرآن ، وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع : هو الشيب ، والمعنى : أو لم نعمركم حتى شبتم ويقال : الشيب نذير الموت ، وفي الأثر ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها : استعدي فقد قرب الموت .

ولما تسبب عن ذلك أن عذابهم لا ينفك قال تعالى : { فذوقوا } أي : ما أعددناه لكم من العذاب دائماً أبداً { فما للظالمين } أي : الذين وضعوا أعمالهم وأقوالهم في غير موضعها { من نصير } أي : في وقت الحاجة حتى يرفع العذاب عنهم قال البقاعي وهذا عام في كل ظالم .