السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا} (45)

{ ولو يؤاخذ الله } أي : بما له من صفات العلو { الناس } أي : المكلفين { بما كسبوا } أي : من المعاصي { ما ترك على ظهرها } أي : الأرض { من دابة } أي : نسمة تدب عليها كما كان في زمن نوح عليه السلام أهلك الله تعالى ما على ظهر الأرض إلا من كان في السفينة مع نوح .

فإن قيل : إذا كان الله تعالى يؤاخذ الناس بما كسبوا فما بال الدواب ؟ أجيب : بأن المطر إنعام من الله في حق العباد ، وإذا لم يستحقوا الإنعام قطعت الأمطار عنهم فيظهر الجفاف على وجه الأرض فيموت جميع الحيوانات ، وبأن خلقة الحيوانات نعمة والمعاصي تزيل النعم وتحل النقم والدواب أقرب النعم ؛ لأن المفرد أولاً ثم المركب ، والمركب إما أن يكون معدناً وإما أن يكون نامياً ، والنامي إما أن يكون حيواناً أو نباتاً ، والحيوان إما إنسان أو غير إنسان فالدواب أعلى درجات المخلوقات في عالم العناصر للإنسان .

فإن قيل : كيف يقال لما علته الخلق من الأرض وجه الأرض وظهر الأرض مع أن الظهر مقابله الوجه فهو كالمتضاد ؟ أجيب : بأن الأرض كالدابة الحاملة للأثقال والحمل يكون على الظهر ، وأما وجه الأرض فلأن الظاهر من باب والبطن والباطن من باب فوجه الأرض ظهر ؛ لأنه هو الظاهر وغيره منها باطن وبطن .

{ ولكن } لم يعاملهم معاملة المؤاخذ المناقش بل يحلم عنهم فهو { يؤخرهم } أي : في الحياة الدنيا ثم في البرزخ { إلى أجل مسمى } أي : سماه في الأزل لانقضاء أعمارهم ثم يبعثهم من قبورهم وهو تعالى لا يبدل القول لديه لما له من صفات الكمال { فإذا جاء أجلهم } أي : الفناء الإعدامي قبض كل واحد منهم عند أجله ، أو الإيجاد الإبقائي بعث كلاً منهم فجازاه بعمله { فإن الله } أي : الذي له الصفات العليا { كان } ولم يزل { بعباده } الذين أوجدهم ولا شريك له في إيجاد واحد منهم بجميع ذواتهم وأحوالهم { بصيراً } أي : بالغ البصر والعلم بمن يستحق العذاب ومن يستحق الثواب ، قال ابن عباس : يريد أهل طاعته وأهل معصيته ، وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ سورة الملائكة دعته يوم القيامة ثمانية أبواب الجنة أن ادخل من أي الأبواب شئت » حديث موضوع .