السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

وقوله تعالى : { إذ } أي : حين { دخلوا على داود } بدل من إذ الأولى أو ظرف لتسوروا ، وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الذال عند التاء في الأول وعند الدال في الثاني ووافقهم ابن ذكوان في الأول والباقون بالإدغام فيهما { ففزع منهم } أي : لأنهم نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب لا يتركون من يدخل عليه ، فإنه عليه السلام كان جزأ زمانه يوماً للعبادة ويوماً للقضاء ويوماً للوعظ ويوماً للاشتغال بحاجته فتسور عليه ملكان على صورة الإنسان في يوم الخلوة { قالوا لا تخف } وقولهم : { خصمان } خبر مبتدأ وضمر أي : نحن خصمان أي : فريقان ، ليطابق ما قبله من ضمير الجمع وقيل : اثنان ، والضمير بمعناهما وقد مر أن الخصم يطلق على الواحد والأكثر ، وقولهم : { بغى بعضنا على بعض } جملة يجوز أن تكون مفسرة لحالهم وأن تكون خبراً ثانياً ، فإن قيل : كيف قالوا بغى بعضنا على بعض وهم ملائكة على المشهور ؟ أجيب : بأن ذلك على سبيل الفرض أي : أرأيت خصمين بغى أحدهما على الآخر وهذا من معاريض الكلام لا من تحقيق البغي من أحدهما { فاحكم بيننا بالحق } أي : الأمر الثابت الذي يطابق الواقع { ولا تشطط } أي : ولا تجر في الحكومة { واهدنا } أي : أرشدنا { إلى سواء الصراط } أي : وسط الطريق الصواب .