السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

وقوله تعالى :

{ إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } خطاب يعم المكلفين ، والأمانات وإن نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة بن عبد الدار لما أغلق باب الكعبة وصعد السطح فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ليدخلها فأبى وقال : لو علمت أنه رسول لم أمنعه المفتاح فلوى عليّ رضي الله تعالى عنه يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه ركعتين ، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له بين السقاية والسدانة ، فأنزل الله هذه الآية ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر ففعل ذلك وقال : هاك خالدة تالدة ، فعجب من ذلك وقال عثمان : أكرهت وأذيت ، ثم جئت ترفق ؟ فقال : قد أنزل الله في شأنك قرآناً ، وقرأ عليه فقال عثمان : أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله فهبط جبريل وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السدانة تكون في أولاد عثمان أبداً فلما مات عثمان دفعه إلى أخيه شيبة ، فالمفتاح والسدانة في أيديهم إلى اليوم وإلى يوم القيامة ، فالآية ، وإن وردت في سبب خاص فعمومها معتبر بقرينة الجمع { وإذا حكمتم بين الناس } أي : قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم أو يرضى بحكمكم { أن تحكموا بالعدل } أي : بالسواء بأن تأمروا من وجب عليه حق بأدائه إلى من هو له فإنّ ذلك من أعظم الصالحات الموجبة لحسن المقيل في الظل الظليل ، أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ) ، الحديث .

وروي : ( إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدّهم عذاباً إمام جائر ) . ولما أخبرهم بأمره زادهم رغبة بقوله : { إنّ الله نعما } فيه إدغام ميم نعم في ما النكرة الموصوفة أي : نعم شيئاً { يعظكم به } وهو تأدية الأمانة والحكم بالعدل ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون ، وكسرها الباقون ، واختلس كسر العين قالون وأبو عمرو وشعبة { إنّ الله كان } أي : ولم يزل ولا يزال { سميعاً } لكل ما يقال { بصيراً } بكلّ ما يفعل .