السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (39)

ولما ذكر تعالى الدلائل الأربعة الفلكية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال تعالى : { ومن آياته } الدالة على قدرته ووحدانيته { أنك } أي : أيها الإنسان { ترى الأرض } أي : بعضها بحاسة البصر وبعضها بعين البصيرة قياساً على ما أبصرت { خاشعة } أي : يابسة لا نبات فيها والخشوع التذلل والتقاصر فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها كما وصفها بالهمود في قوله تعالى : { وترى الأرض هامدة } ( الحج : 5 )

وهو خلاف وصفها بالاهتزاز والربو ، كما قال تعالى : { فإذا أنزلنا } أي : بما لنا من العظمة { عليها الماء } من الغمام أو غيره { اهتزت } أي : تحركت حركة عظيمة كثيرة سريعة فكان كمن يعالج ذلك بنفسه { وربت } أي : تشققت فارتفع ترابها وخرج منها النبات وسما في الجو مغطياً لوجهها وتشعبت عروقه وغلظت سوقه فصار يمنع سلوكها على ما كانت فيه من السهولة وتزخرفت بذلك النبات كأنها بمنزلة المختال في زيه بعدما كانت قبل ذلك كالذليل الكاسف البال في الأطمار الرثة ، وقرأ السوسي : ترى الأرض في الوصل بالإمالة بخلاف منه ، والباقون بالفتح ، وفي الوقف أمال محضة أبو عمرو وحمزة والكسائي ، وورش بين بين ، والباقون بالفتح ، ثم استدل بذلك على القدرة على البعث فقال تعالى : { إن الذي أحياها } أي : بما أخرج من نباتها بعد أن كانت ميتة { لمحيي الموتى } كما فعل بالنبات من غير فرق { إنه على كل شيء قدير } فهو قادر على إحياء الأرض بعد موتها وعلى إحياء هذه الأجساد بعد موتها لأن الممكنات بالنسبة إلى القدرة متساوية فالقادر قدرة تامة على شيء منها قادر على غيره .