السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

ولما ذكر تعالى الوعيد أردفه بذكر الوعد كما هو الغالب فقال تعالى : { إن الذين قالوا } أي : قولاً حقيقياً مذعنين به بالجنان وناطقين باللسان تصديقاً لداعي الله تعالى في الدنيا { ربنا } أي : المحسن إلينا { الله } أي : المختص بالجلال والإكرام وحده لا شريك له ، وثم في قوله تعالى : { ثم استقاموا } لتراخي الرتبة في الفضيلة فإن الثبات على التوحيد ومصححاته إلى الممات أمر في علو رتبته لا يرام إلا بتوفيق ذي الجلال والإكرام .

سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئاً ، وقال عمر رضي الله عنه ، الاستقامة : أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب . وقال عثمان رضي الله عنه : أخلصوا العمل لله ، وقال علي رضي الله عنه : أدوا الفرائض ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : استقاموا على أمر الله تعالى بطاعته واجتنبوا معصيته ، وقال مجاهد وعكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله ، وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال : اللهم ربنا ارزقنا الاستقامة ، وقال سفيان بن عبد الله الثقفي : قلت : يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به قال : «قل ربي الله ثم استقم فقلت : ما أخوف ما تخاف علي ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال : هذا » . قال أبو حيان : قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه .

{ تتنزل عليهم الملائكة } قال ابن عباس : عند الموت وقال قتادة : إذا قاموا من قبورهم ، وقال وكيع بن الجراح : البشرى : تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وهي { ألا تخافوا } قال مجاهد : لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمر الآخرة { ولا تحزنوا } على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله ، وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فإني أغفرها لكم ، والخوف غم يلحق لتوقع المكروه ، والحزن يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار ، والمعنى أن الله تعالى كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذوقوه أبداً .

تنبيه : يجوز في أن : أن تكون المخففة أو المفسرة أو الناصبة ، ولا ناهية على الوجهين الأولين ، ونافية على الثالث { وأبشروا } أي : املؤوا صدوركم سروراً يظهر أثره على بشرتكم بتهلل الوجه ويعم سائر الجسد { بالجنة التي كنتم } أي : كوناً عظيماً على ألسنة الرسل عليهم السلام { توعدون } أي : يتجدد لكم ذلك كل حين بالكتب والرسل .

تنبيه : فيما ذكر دلالة على أن المؤمن عند الموت وفي القبر وعند البعث يكون فارغاً من الأهوال والفزع الشديد .

فإن قيل : البشارة عبارة عن الخبر الأول بحصول المنافع فأما إذا أخبر الشخص بحصول المنفعة ثم أخبر ثانياً بحصولها كان الإخبار الثاني إخباراً ولا يكون بشارة والمؤمن قد يسمع بشارات الخير فإذا سمع المؤمن هذا الخبر من الملائكة وجب أن يكون هذا إخباراً ولا يكون بشارة فما السبب في تسمية هذا الخبر بشارة ؟ أجيب : بأن المؤمن قد يسمع بشارات الخير ولم يعلم بأن له الجنة فيكون ذلك بشارة ، أما إذا علم أنه من أهل الجنة بإخبار نبي فإنه إذا سمع هذا الكلام من الملائكة فإنه يكون إخباراً .