السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

ولما ذكر سبحانه وتعالى النظر في آيات الآفاق أتبعها آيات الأنفس بقوله تعالى :

{ وفي خلقكم } أي : خلق كل منكم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة إلى أن صار إنساناً المخالف لخلق الأرض التي أنتم منها بالاختيار والعقل والانتشار والقدرة على السار والضار { وما } أي : وخلق ما { يبث } أي : ينشر ويفرق بالحركة الاختيارية على سبيل التجدد والاستمرار { من دابة } مما تعلمون ومما لا تعلمون بما في ذلك من مشاركتكم بالاختيار والهداية للمنافع بإدراك الجزيئات ومخالفتكم في الصورة والعقل وإدراك الكليات وغير ذلك من مخالفة الأشكال والطبائع والمنافع وغير ذلك { آيات } دالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته .

وقرأ حمزة والكسائي آيات بكسر التاء حملاً على اسم إن ، والباقون بالرفع حملاً على محل إن واسمها ، ولما كانت آيات الأنفس أدق وأدل على القدرة والاختيار بما لها من التجدد والاختلاف قال تعالى { لقوم } أي : فيهم أهلية القيام بما يحاولونه { يوقنون } أي : يتجدد لهم العروج في درجات الإيمان إلى أن يصلوا إلى شرف الإيقان فلا يخالجهم شك في وحدانيته .