السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ} (5)

{ ولسوف يعطيك } ، أي : بوعد لا خلف فيه وإن تأخر وقته بما أفهمته الأداة { ربك } ، أي : المحسن إليك بسائر النعم في الآخرة من الخيرات عطاء جزيلاً { فترضى } ، أي : به فقال صلى الله عليه وسلم «إذاً لا أرضى وواحد من أمّتي في النار » . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص : أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال : «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمّتك ولا نسوءك » . وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : «لكل نبيّ دعوة مستجابة فتعجل كل نبيّ دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة فهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً » وعن عوف بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أتاني آت من عند ربي يخبرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة ، فهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً » . وعن شريح قال : سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ يقول : إنكم معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [ الزمر : 53 ] وإنا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وفي هذا موعد لما أعطاه الله تعالى في الدنيا من الفتح والظفر بأعدائه يوم بدر ويوم فتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجاً ، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم وبث عساكره وسراياه في بلاد العرب وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن ، وهدم بأيديهم من ممالك الجبابرة ، وأنهبتهم من كنوز الأكاسرة وما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام وفشوّ الدعوة واستيلاء المسلمين . ولما أعطاه في الآخرة من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله تعالى .

قال ابن عباس : له الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك . فإن قيل : ما هذه اللام الداخلة على سوف ؟ أجيب : بأنها لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ، والمبتدأ محذوف تقديره : ولأنت سوف يعطيك ، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم ابتداء ، ولام الابتداء ، لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر فلا بدّ من تقدير مبتدأ وخبر ، وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك .

فإن قيل : ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير ؟ أجيب : بأن معناه : أنّ العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة على أنه تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بالحال التي كان عليها .