السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي ثمان آيات ، وتسع وعشرون كلمة ، ومائة وثلاثة أحرف .

{ بسم الله } الظاهر الباطن الملك العلام { الرحمن } الذي عمّ المخلوقين بالإنعام { الرحيم } الذي خص أولياءه بدار السلام .

وقوله تعالى : { ألم نشرح } استفهام تقرير ، أي : شرحنا بما يليق بعظمتنا { لك } يا أشرف الخلق { صدرك } بالنبوّة وغيرها حتى وسع مناجاتنا ودعوة الخلق ، أو فسحناه بما أودعنا فيه من الحكم والعلوم وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي كان يكون معه العمى والجهل . وعن الحسن : ملئ حكمة وعلماً .

وقيل : إنه إشارة إلى ما روي أنّ جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صباه أو في يوم الميثاق فاستخرج قلبه فغسله ثم ملأه إيماناً وعلماً .

فإن قيل : لم قال تعالى صدرك ولم يقل قلبك ؟ أجيب : بأن محل الوسوسة هو الصدر كما قال تعالى : { يوسوس في صدور الناس } [ الناس : 5 ] وأبدلها بدواعي الخير فلذلك خص الشرح بالصدر دون القلب . و قال محمد بن علي الترمذي : القلب محل العقل والمعرفة ، والشيطان يجيء إلى الصدر الذي هو حصن القلب ، فإذا وجد مسلكاً أغار فيه وثبت جنده فيه وبث فيه الهموم والغموم والحرص فيضيق القلب حينئذ ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة ، فإذا طرد العدوّ في الابتداء حصل الأمن وانشرح الصدر .

فإن قيل : لم قال تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } ولم يقل : ألم نشرح صدرك ؟ أجيب : بوجهين :

أحدهما : كأنه تعالى يقول : لام بلام ، فأنت إنما تفعل جميع الطاعة لأجلي ، وأنا أيضاً جميع ما أفعله لأجلك .

ثانيهما : أنّ فيه تنبيهاً على أنّ منافع الرسالة عائدة إليك لأجلك لا لأجلنا .