السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ} (9)

ثم أوصاه باليتامى والمساكين والفقراء فقال تعالى : { فأمّا اليتيم } ، أي : هذا النوع{ فلا تقهر } قال مجاهد : لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيماً . وقال الفراء : لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه كما كانت العرب تفعل في أموال اليتامى ، تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشرّ بيت في المسلمين فيه يتيم يساء إليه ، ثم قال بإصبعيه : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وهو يشير بإصبعيه » .

اليتيم منصوب بتقهر ، وبه استدل ابن مالك على أنه لا يلزم من تقديم المعمول تقديم العامل ، ألا ترى أنّ اليتيم منصوب بالمجزوم وقد تقدّم على الجازم ، ولو تقدّم على لا ، لامتنع ؛ لأنّ المجزوم لا يتقدّم على جازمه كالمجرور لا يتقدّم على جاره وفي الآية دلالة على اللطف باليتيم وبره والإحسان إليه ، وقال صلى الله عليه وسلم «من ضمّ يتيماً وكان في نفقته وكفاه مؤنته كان له حجاباً من النار يوم القيامة » . وقال : «من مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة » . وقال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم .

فإن قيل : ما الحكمة في أن الله تعالى اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم اليتم ؟ أجيب : بوجوه :

أحدها : أن يعرف حرارة اليتيم فيرفق باليتيم .

ثانيها : يشاركه في الاسم فيكرمه لأجل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه ووسعوا له في المجلس » .

ثالثها : ليستند من أوّل عمره على الله تعالى فيشبه إبراهيم عليه السلام في قوله : حسبي من سؤالي علمه بحالي .

رابعها : أنّ اليتيم تظهر عيوبه فلما لم يجدوا عيباً لم يجدوا فيه مطعناً .

خامسها : جعله يتيماً ليعلم كل أحد أن فضيلته ابتداء من الله تعالى لا من تعليم ، لأن من له أب فإنه يؤدّبه ويعلمه .

سادسها : اليتم والفقر نقص في العادة فكونه صلى الله عليه وسلم مع هذين الوصفين من أكرم الخلق كان ذلك قلباً للعادة فيكون معجزة .