إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآيها أربع .

{ لإيلاف قُرَيْشٍ } متعلقٌ بقولِه تعالَى ( فليعبدُوا ) ، والفاءُ لما في الكلامِ منْ مَعْنى الشَّرطِ ؛ إذِ المعَنْى أنَّ نِعمَ الله تعالَى عليهمْ غيرُ محصورةٍ ، فإنْ لَمْ يعبدُوه لسائرِ نعمهِ فليعبدُوه لهذِه النعمةِ الجليلةِ . وقيلَ : بمضمرةٍ ، تقديرُهُ : فعلنَا مَا فعلنَا منْ إهلاكِ أصحابِ الفيلِ لإيلافِ الخ . وقيلَ : تقديرُهُ أعْجَبُوا لإيلافِ الخ . وقيلَ : بمَا قَبْلَهُ منْ قولِه تعالَى : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأْكُولِ } [ سورة الفيل ، الآية 5 ] ويؤيدُهُ أنهُمَا في مُصْحفِ أُبَي سورةٌ واحدةٌ بلاَ فصلٍ ، وَالمَعْنى أهلكَ مَنْ قصدَهُم منَ الحبشةِ ليتسامعَ النَّاسُ بذلكَ فيتهيبُوا لَهُمْ زيادةَ تهيبٍ ، ويحترمُوهم فضلَ احترامٍ ، حَتَّى ينتظَم لهُمْ الأمنُ في رحلتيِهمْ ، فَلاَ يجترئُ عليهمْ أحدٌ . وكانتْ لقريشٍ رحلتانِ : يرحلونَ في الشتاءِ إلى اليمنِ ، وفي الصيفِ إِلى الشامِ ، فيمتارونَ ويتجرونَ ، وكانُوا في رحلتيِهمْ آمنينَ ؛ لأنَّهُم أهلُ حرمِ الله تعالَى ، وولاةُ بيتِه العزيزِ ، فَلاَ يُتَعرضُ لهُمْ ، والنَّاسُ بينَ مُتخطَّفٍ ومنهوبٍ . وَالإيلافُ منْ قولِكَ آلفتْ المكانَ إيلافاً إذا أَلفْتَهُ ، وقُرِئَ لإلافِ قُريشٍ أيْ لمؤالفتِهمْ ، وقيلَ : يقالُ ألفتُهُ إلفاً وإلافاً ، وَقُرِئَ لإلفِ قريشٍ ، وقريشٌ ولدُ النَّضْرِ بنِ كنَانَةَ ، سُمُّوا بتصغيرِ القِرشِ ، وهُوَ دابةٌ عظيمةٌ في البحرِ تعبثُ بالسفنِ وَلاَ تُطَاقُ إِلاَّ بالنارِ ، والتصغيرُ للتعظيمِ ، وقيلَ : منَ القَرْشِ ، وهُوَ الكسبُ ؛ لأنهمْ كانُوا كسَّابينَ بتجاراتِهمْ وضربِهمْ في البلادِ .