{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بأصحاب الفيل } الخطابُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، والهمزةُ لتقريرِ رؤيتِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ بإنكارِ عَدَمِها ، وكيفَ معلقةٌ لفعلِ الرؤيةِ منصوبةٌ بما بعدَهَا ، والرؤيةُ عِلْميةٌ ، أيْ ألمْ تعلْم علماً رصيناً متاخماً للمشاهدةِ والعَيَانِ باستماعِ الأخبارِ المتواترةِ ومعاينةِ الآثارِ الظَّاهرةِ ، وَتعليقُ الرؤيةِ بكيفيةِ فعلِه عَزَّ وَجَلَّ لاَ بنفسِه ، بأَنْ يقالَ : ألْم ترَ ما فعلَ ربُّكَ الخ لتهويلِ الحادثةِ ، والإيذانِ بوقوعِها عَلَى كيفيةٍ هائلةٍ ، وهيئةٍ عجيبةٍ دالةٍ عَلَى عظمِ قُدرةِ الله تعالَى ، وكمالِ علمهِ وحكمتِه ، وعزةِ بيتِه ، وشرفِ رسولِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ ، فإنَّ ذلكَ منَ الإرهاصاتِ ، لما رُوي أنَّ القصةَ وقعتْ في السنةِ التي ولدَ فيها النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ، وتفصيلُها أنَّ أبرهةَ بْنَ الصبَّاحِ الأشرمَ ملكَ اليمنِ مِنْ قبلِ أصحمةَ النجاشيِّ بنَى بصنعاءَ كنيسةً وسَمَّاها القُلَّيْسَ ، وأرادَ أنْ يصرفَ إليها الحاجَّ فخرجَ رجلٌ منْ كِنانةَ فقعدَ فيهَا ليلاً فأغضَبهُ ذلكَ ، وقيلَ : أججتْ رفقةٌ منَ العربِ ناراً فحملتها الريحْ فأحرقتَها ، فحلفَ ليهدمنَّ الكعبةَ ، فخرجَ معَ جيشِه ومعه فيلٌ له اسُمه محمودٌ- وكانَ قوياً عظيماً- واثنا عشرَ فيلاً غيرهُ ، وقيلَ : ثمانيةٌ ، وقيل : ألفٌ ، وقيلَ : كانَ معه وَحْدَهُ ، فلما بلغَ المُغمَّسَ خرجَ إليه عبدُ المطلبِ ، وعرضَ عليه ثلثَ أموالِ تهامةَ ليرجعَ فأبىَ ، وعبَّأَ جيشَهُ ، وقدَّمَ الفيل ، فكانَ كلمَا وجهوه إلى الحرمِ بركَ ولم يبرحْ ، وإذا وجهوه إلى اليمنِ أو إلى غيرِه من الجهاتِ هرولَ ، فأرسلَ الله تعالَى طيراً سُوداً ، وقيلَ : خُضراً ، وقيل : بيضاً ، مع كُلِّ طائرٍ حجرٌ في منقارِه ، وحجرانِ في رجليهِ ، أكبرُ من العدسةِ وأصغرُ من الحِمُصَةِ ، فكانَ الحجرُ يقعُ عَلى رأسِ الرجلِ فيخرجُ من دُبُرهِ ، وعلى كُلِّ حجرٍ اسمُ منْ يقعُ عليهِ ، ففروا فهلكُوا في كلِّ طريقٍ ومنهلٍ . ورويَ أنَّ أبرهةَ تساقطتْ أناملُه وآرابُه{[861]} وما ماتَ حتى انصدعَ صدْرُهُ عن قلبهِ ، وانفلتَ وزيرُهُ أبو يكسومَ وطائرٌ يُحلِّقُ فوقَهُ حتى بلغَ النجاشيِّ فقصَّ عليهِ القصةَ ، فلما أتمَّها وقعَ عليهِ الحجرُ فخرَّ ميتاً بينَ يديِه ، وقيلَ : إنَّ أبرهةَ أخذَ لعبدِ المطلبِ مائتي بعيرٍ ، فخرجَ إليهِ في شأنِها ، فلما رآه أبرهةُ عظُمَ في عينِه ، وكانَ رجُلاً وَسيماً جَسيماً ، وقيلَ : هذا سَيِّدُ قُريشٍ ، وصاحبُ عِيرِ مكةَ الذي يطعمُ الناسَ في السهلِ والوحوشَ في رؤوسِ الجبالِ ، فنزلَ أبرهةُ عن سريرهِ وجلسَ عَلَى بساطِه ، وقيل : أجلَسه مَعَهُ على سريرِه ، ثم قالَ لترجمانِه : قُلْ لَهُ : ما حاجتُكَ ؟ فلما ذكرَ حاجتَهُ قالَ : سقطتَ مِنْ عَينِي حيثُ جئتُ لأهدمَ البيتَ الذي هُوَ دينُكَ ودينُ آبائِك وعصمتُكم وشرفُكم في قديمِ الدهرِ لا تكلمِني فيهِ ، ألهاكَ عنْهُ ذَودٌ{[862]} أخذتُ لكَ . فقالَ عبدُ المطلبِ : أنا ربُّ الإبلِ ، وإنَّ للبيتِ رباً يحميِه ، ثم رجعَ وأتىَ بابَ الكعبةِ فأخذَ بحلقتِه ومعهَ نفرٌ من قريشٍ يدعونَ الله عَزَّ وجَلَّ ، فالتفتَ وهو يدعُو ؛ فإذْ هو بطيرٍ منْ نحوِ اليمنِ فقالَ : والله إنها لطيرٌ غريبةٌ ، مَا هيَ نجديةٌ ولا تهاميةٌ ، فأرسلَ حلقةَ البابِ ، ثمَّ انطلقَ معَ أصحابِه ينتظرونَ ماذَا يفعلُ أبرهةُ ، فأرسلَ الله تعالَى عليهُم الطيرَ ، فكانَ ما كانَ . وقيلَ : كانَ أَبْرهةُ جَدَّ النجاشيِّ الذي كانَ في زمنِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ . وعنْ عائشةَ رضيَ الله عَنْهَا قالتْ : رأيتُ قائدَ الفيلِ وسائسَه أعميينِ مُقعدينِ يستطعمانِ . وقُرِئَ ( أَلم تَرْ ) بسكونِ الراءِ للجدِّ في إظهارِ أثرِ الجازمِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.