إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَيۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ} (8)

ثم عقّبه بما يدل على كمال علمِه وقدرتِه وشمولِ قضائِه وقدَره المبنيَّين على الحِكَم والمصالحِ تنبيهاً على أن تخصيصَ كلِّ قومٍ ينبىء بجنس معين من الآيات إنما هو للحِكَم الداعية إلى ذلك إظهاراً لكمال قدرتِه على هدايتهم لكن لا يهدي إلا من تعلّق بهدايته مشيئتُه التابعةُ لِحكَم استأثر بعلمها فقال : { الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى } أي تحمِله فما موصولةٌ أريد بها ما في بطنها من حين العُلوقِ إلى زمن الولادةِ لا بعد تكاملِ الخلقِ فقط ، والعلمُ متعدَ إلى واحد ، أو أيَّ شيءٍ تحملُ وعلى أي حال هو من الأحوال المتواردةِ عليه طوراً فطوراً فهي استفهاميةٌ معلقةٌ للعلم أو حملَها فهي مصدرية { وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ } أي تنقُصه وتزداده في الجُثة كالخَديج والتام وفي المدة كالمولود في أقلِّ مدة الحملِ والمولود في أكثرها وفيما بينهما . قيل : إن الضحاك ولد في سنتين ، وهرِمَ ابن حيان في أربع ومن ذلك سُمِّي هرِماً{[457]} ، وفي العدد كالواحد فما فوقه . يروى أن شريكاً كان رابعَ أربعةٍ ، أو يعلم نقصَها وازديادها لما فيها فالفعلان متعدّيان كما في قوله تعالى : { وَغِيضَ الماء } [ هود : 44 ] وقوله تعالى : { وازدادوا تِسْعًا } [ الكهف ، الآية 25 ] وقوله : { وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ } [ يوسف ، الآية 65 ] أو لازمان قد أسندا إلى الأرحام مجازاً وهما لما فيها { وَكُلَّ شيء } من الأشياء { عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } بقدر لا يمكن تجاوزُه عنه كقوله : { إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ } [ القمر ، الآية 49 ] فإن كل حادثٍ من الأعيان والأعراضِ له في كل مرتبةٍ من مراتب التكوينِ ومباديها وقتٌ معينٌ وحالٌ مخصوص لا يكاد يجاوزه ، والمرادُ بالعندية الحضورُ العلميُّ بل العلمُ الحضوريُّ فإن تحقيقَ الأشياءِ في أنفسها في أي مرتبةٍ كانت مراتبُ الوجود والاستعداد لذلك علمٌ له بالنسبة إلى الله عز وجل .


[457]:هو هرم بن حيان العبدي الأزدي المتوفى سنة 26 هـ. قائد فاتح، من كبار النساك، من التابعين.