إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

{ لَهُ } أي لكلَ ممن أسرّ أو جهر والمستخفي أو السارب { معقبات } ملائكةٌ تعتقِبُ في حفظه جمعُ معقّبة من عقّبه مبالغةُ عقَبه إذا جاء على عقِبه كأن بعضَهم يعقُب بعضاً أو لأنهم يعقُبون أقوالَه وأفعاله فيكتُبونه أو اعتقب فأُدغمت التاء في القاف والتاء للمبالغة ، أو المرادُ بالمعقّبات الجماعاتُ ، وقرئ معاقيبُ جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من إحدى القافين { من بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } من جميع جوانبِه أو من الأعمال ما قدَّم وأخَّر { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله } من بأسه حين أذنب بالاستمهال والاستغفارِ له أو يحفظونه من المضارّ أو يراقبون أحوالَه من أجل أمر الله تعالى ، وقد قرئ به وقيل : ( من ) بمعنى الباء ، وقيل : من أمر الله صفةٌ ثانيةٌ لمعقّبات ، وقيل : المعقّبات الحرّاسُ والجلاوِزةُ حولَ السلطان يحفَظونه في توهّمه من قضاء الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ } من النعمة والعافية { حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } من الأعمال الصالحةِ أو ملَكاتها التي هي فطرةُ الله التي فطرَ الناس عليها إلى أضدادها { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا } لسوء اختيارِهم واستحقاقِهم لذلك { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } فلا ردَّ له ، والعاملُ في ( إذا ) ما دل عليه الجوابُ { وَمَا لَهُمْ من دُونِهِ مِن وَالٍ } يلي أمرَهم ويدفع عنهم السوءَ الذي أراده الله بهم بما قدمت أيديهم من تغيير ما بهم ، وفيه دِلالةٌ على أن تخلّف مرادِه تعالى مُحالٌ ، وإيذانٌ بأنهم بما باشروه من إنكار البعثِ واستعجال السيئة واقتراحِ الآية قد غيَّروا ما بأنفسهم من الفطرة واستحقوا لذلك حلولَ غضبِ الله تعالى وعذابِه .