{ وَأَنذِرِ الناس } خطابٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إعلامِه أن تأخيرَهم لماذا ، وأمرٌ له بإنذارهم وتخويفِهم منه ، والمرادُ بالناس الكفارُ المعبّرُ عنهم بالظالمين كما يقتضيه ظاهرُ إتيانِ العذاب ، والعدولُ إليه من الإضمار للإشعار بأن المرادَ بالإنذار هو الزجرُ عما هم عليه من الظلم شفقةً عليهم لا التخويفُ للانزعاج والإيذاء ، فالمناسبُ عدمُ ذكرِهم بعنوان الظلمِ ، أو الناسُ جميعاً فإن الإنذارَ عام للفريقين كقوله تعالى : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر } [ يس ، الآية 11 ] والإتيانُ يُعمّهما من حيث كونُهما في الموقف وإن كان لحوقُه بالكفار خاصةً ، أي أنذِرهم وخوِّفهم { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب } المعهودُ وهو اليوم الذي وُصف بما لا يوصف من الأوصاف الهائلةِ أعني يومَ القيامة ، وقيل : هو يومُ موتِهم معذَّبين بالسكَرات ولقاءِ الملائكة بلا بشرى ، أو يومُ هلاكِهم بالعذاب العاجلِ ، ويأباه القصرُ السابق { فَيَقُولُ الذين ظَلَمُواْ } أي فيقولون ، والعدولُ عنه إلى ما عليه النظمُ الكريم للتسجيل عليهم بالظلم وللإشعار بأن ما لقُوه من الشدة إنما هو لظلمهم ، وإيثارُه على صيغة الفاعل حسبما ذكر ، أو لا للإيذان بأن الظلمَ في الجملة كافٍ في الإفضاء إلى ما ذكر من الأهوال من غير حاجةٍ إلى الاستمرار عليه كما ينبىء عنه صيغةُ الفاعلِ ، وعلى تقدير كونِ المرادِ بالناس مَنْ يعمّ المسلمين أيضاً فالمعنى الذين ظلموا منهم وهم الكفارُ ، أو يقول : كلُّ من ظلم بالشرك والتكذيب من المنذَرين وغيرِهم من الأمم الخاليةِ فإن إتيانَ العذاب يعُمهم كما يشعر بذلك وعدُهم باتباع الرسل .
{ رَبَّنَا أَخّرْنَا } رُدَّنا إلى الدنيا وأمهلنا { إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } إلى أمد وحدَ من الزمان قريب { نجِبْ دَعْوَتَكَ } أي الدعوةَ إليك وإلى توحيدك أو دعوتَك لنا على ألسنة الرسلِ ، ففيه إيماءٌ إلى أنه صدّقوهم في أنهم مرسَلون من عند الله تعالى { وَنَتَّبِعِ الرسل } فيما جاءونا به أي نتدارك ما فرّطنا فيه من إجابة الدعوةِ واتّباع الرسل ، والجمعُ إما باعتبار اتفاقِ الجميعِ على التوحيد وكونِ عصيانهم للرسول صلى الله عليه وسلم عصيانا لهم جميعاً ، وإما باعتبار أن المحْكيَّ ظالمو الأمم جميعاً والمقصودُ بيانُ وعدِ كل أمة باتباع رسولِها ، { أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ } على إضمار القولِ معطوفاً على ( فيقول ) أي فيقال لهم توبيخاً وتبكيتاً : ألم تؤخَّروا في الدنيا ولم تكونوا أقسمتم إذ ذاك بألسنتكم بطراً وأشرَاً وجهلاً وسفهاً { مَا لَكُمْ من زَوَالٍ } مما أنتم عليه من التمتع بالحظوظ الدنيوية أو بألسنة الحال حيث بنيتم مَشيداً وأمّلتم بعيداً ولم تحدّثوا أنفسكم بالانتقال منها إلى هذه الحالة ، وفيه إشعارٌ بامتداد زمانِ التأخير وبُعد مداه أو ما لكم من زوال من هذه الدار إلى دار أخرى للجزاء كقوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] وصيغةُ الخطاب في جواب القسم لمراعاة حالِ الخطاب في أقسمتم كما في قوله : حلف بالله ليخرُجَن ، وهو أدخلُ في التوبيخ من أن يقال : ما لنا مراعاةً لحال المُقسِم . ذكر البيهقيُّ عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : لأهل النار خمسُ دعَوات يجيبهم الله تعالى في أربع منها فإذا كانت الخامسةُ لم يتكلموا بعدها أبداً يقولون : { رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين فاعترفنا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ من سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] فيجيبهم الله تعالى : { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دعي الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فالحكم للَّهِ العلى الكبير } [ السجدة : 12 ] ثم يقولون : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صالحا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] فيجيبهم الله تعالى : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا } [ السجدة : 14 ] الآية ، ثم يقولون : { رَبَّنَا أَخّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل } فيجيبهم الله تعالى : { أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ } [ إبراهيم : 44 ] ثم يقولون : { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] فيجيبهم الله تعالى : { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النذير فَذُوقُواْ فَمَا للظالمين مِن نصِيرٍ } [ فاطر : 37 ] فيقولون : { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ } [ المؤمنون ، الآية 106 ] فيجيبهم الله تعالى : { اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ }[ المؤمنون ، الآية 108 ] فلا يتكلمون بعدها أبداً ، إن هو إلا زفيرٌ وشهيق وعند ذلك انقطع رجاؤُهم وأقبل بعضهم ينبَح في وجه بعض وأطبقت عليهم جهنمُ ، اللهم إنا بك نعوذ وبكنفك نلوذ عز جارُك وجل ثناؤُك ولا إله غيرُك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.