إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (57)

{ قَالَ } أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وتوسيطُه بين قوله السابقِ وبين قوله : { فَمَا خَطْبُكُمْ } أي أمرُكم وشأنكم الخطيرُ الذي لأجله أُرسلتم سوى البشارةِ { أَيُّهَا المرسلون } صريحٌ في أن بينهما مقالةً مطويةً لهم أشير به إلى مكانها كما في قوله تعالى : { قَالَ أأسجد لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا قَالَ أرأيتك هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَىَّ } الآية ، فإن قوله الأخيرَ ليس موصولاً بقوله الأول ، بل هو مبنيٌّ على قوله تعالى : { فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } فإن توسيطَ قال بين قوليه للإيذان بعدم اتصالِ الثاني بالأول وعدم ابتنائِه عليه بل على غيره ، ثم خطابُه لهم عليهم الصلاة والسلام بعنوان الرسالةِ بعد ما كان خطابُه السابقُ مجرداً عن ذلك مع تصديره بالفاء ، دليلٌ على أن مقالتهم المطويةَ كانت متضمنةً لبيان أن مجيئَهم ليس لمجرد البشارةِ ، بل لهم شأنٌ آخَرُ لأجله أُرسلوا فكأنه قال عليه الصلاة والسلام : وإن لم يكن شأنُكم مجردَ البشارة فماذا هو ؟ فلا حاجة إلى الالتجاء إلى أن علمَه عليه الصلاة والسلام بأن كلَّ المقصود ليس البشارةَ بسبب أنهم كانوا ذوي عدد ، والبِشارةُ لا تحتاج إلى عدد ولذلك اكتُفي بالواحد في زكريا عليه الصلاة والسلام ومريم ، ولا إلى أنهم بشروه في تضاعيف الحالِ لإزالة الوجل ولو كانت تمامَ المقصود لابتدءوا بها فتأمل .